فتحاوي
عريف
عدد المساهمات : 186
تاريخ التسجيل : 10/08/2009
 | موضوع: علاء البازيان في القدس  الأحد أكتوبر 04, 2009 2:50 am | |
| الكاتب عيسى قراقع
هل فتحت عينيك أخيرا لترى القدس على مرمى جنازات تتوالى : جنازة والدك وجنازة أنبياء أثقلهم الصليب ولم يصلوا الى البشارة.
تمر عنك ثلاثين عاما في السجن، رهين المحبسين، لكنك ابن أبوك، ودعت في رحيله رحيلك الأول والثاني، وأطبقت عينيك على وصيته وأطلقت في القدس شعاع الهوية.
هل نعزيك الآن، نمشي معك في البلدة القديمة، نحاول أن نمسح ظلال المستوطنات واللغة العبرية عن هوائها، لنتمكن من الكلام الدافئ عن العاصمة والدولة وملعب المدرسة وبائعات الخس في باب العمود.
هل نعزيك أم نعزي فلسطين المفجوعة كل يوم، نقرأ معا تقرير جولدستون، لنكتشف أن هناك من يرانا كضحايا، وهناك من يقتحم علينا صلاة الفجر خوفا من رحمة السماء.
تقول لي: خذني الى سجن نفحة فقد مللت من سجن عسقلان، وفي عسقلان تطلب أن آخذك الى سجن المسكوبية فالهواء هناك قريب الى قصائد الذاكرة.
تقول لي: الأرض ليست بيضاوية، الأرض سجون تدور حول روحي، وعندي ثلاثين روحا وثلاثين عاما وثلاثين زنزانة تنتظرني قبل أتوضأ بلون البرتقال.
علاء البازيان: الأسير المقدسي القديم جدا كالقدس في التاريخ، و كالقدس في الدماء وأحجارها المدفونة في نقوش الأنبياء وآيات البراهين، يعود الى القدس للمشاركة في جنازة والده، غافل السجان وخرج ليرتب الموت كما كان يراه جميلا جميلا، وهادئا هادئا كصمت السجون.
ضع وردك هنا، فالقبر صغير كما هو السلام، يصغر كل يوم حتى صار شارعا أو حارة أو كلاما بعيدا عن لغة الكلام.
ضع دمك هنا، ولا تتمنى السجن مرة أخرى لأن الظلام هنا يشبه الظلام هناك، وقنابل المتطرفين اليهود في باحات الأقصى تشبه قنابل السجانين في سجن النقب ، لا تحاول أن تجادل التشابه وتخرج من سجنك الى النهار.
علاء البازيان في القدس، جاء الناس لمصافحته ولتعزيته، مثقل بما مضى وما سيأتي، جسد مكبل بمئات الشهداء والصرخات وغيوم المعسكرات ، لم يسمح له أن يرى أباه إلا في خيال السجين عندما يشعر بالخوف في تلك الساعة الحديدية الواقعة بين منتصف الليل وطلوع الفجر.
دعوه يصل الى الحل النهائي... الى القدس، متحررا من الملح والليل، مستعيدا بصره وصوته وخطواته الواثقة ورائحة حياة ربما لا يفوح منها طنين الموت وصليل القيود.
كل ما فيك ليس لك، كل ما فيك ذاب في ثلاثين عاما، وصار لوحة على جدار خشن، حتى ظلالك بقيت عالقة على الأسلاك، يدك ليست معك لتمتد من الشباك تلوح للنجوم.
كل ما فيك أخذوه ليكونوا، وتركوك بلا آذان ينبهك لسماع سورة الأسراء، وتركوك بلا كنيسة تلجأ إليها عندما يشتد الحصار ويهرب الرعاة.
علاء البازيان كن كما أنت، قديسا أو متمردا أو كما شئت، واحمل وجهك حيث وليت، وقلبك حيث جلست، لا زالوا يراقبونك ويفتشون في خلاياك عن آثار من القدس، لا زالوا يخشون عينيك عندما تنام أو لا تنام.
كلهم حولك أبو الناجي وأكرم منصور ومروان وسامي يونس وكريم يونس وإبراهيم جابر ومحمد الطوس وقتيبة مسلم وفخري البرغوثي ونائل البرغوثي وعلي المسلماني ومخلص برغال وأحمد سعدات ومحمد الشوبكي، والكثيرون، قلاع تحيط بها قلاع، ورموز تتشابك فيها رموز، فما أكثر الأحباء، وما أجمل ورد السجن، أحمر أحمر يضيء الغياب .
| |
|
