دنيا الوطن
بعد أن كشفت إيران عن وجود منشأة نووية ثانية لتخصيب اليورانيوم، بالقرب من قم، بات الحديث عن توجيه إسرائيل ضربة عسكرية إلى المنشآت النووية في إيران، يتصاعد أكثر فأكثر، ولكن ما مدى نجاح مهمة كهذه في وقت تطالب فيه الدول العظمي بأعمال الدبلوماسية، أولا.
فلا يكاد يمر أسبوع دون تحذير من مسؤول بارز في إسرائيل من احتمالية تنفيذ ضربة عسكرية، ومن أن إسرائيل لا يمكنها قبول دولة إيرانية مسلحة نوويا. ومع ذلك لم تشر أي دولة إلى أنها سوف تدعم مثل هذه العملية. وما زال الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، مستمرا في تهديد إسرائيل وإنكار حقها في الوجود. وفي الوقت نفسه، يلتزم الرئيس الأميركي، باراك أوباما، بصورة واضحة بالخيارات الدبلوماسية ويركز على مبادراته الجديدة وقرار تصدره الأمم المتحدة للحد من الأسلحة النووية والوقوف أمام انتشارها وعلى العمل مع حلفاء أوروبيين والصين وروسيا من أجل فرض عقوبات كبديل عن استخدام القوة.
ويقول وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، إن الخطوة الإيرانية الجديدة تستدعي «ردا لا لبس فيه» من قبل القوى العظمى لدى اجتماعها مع طهران في الأول من أكتوبر (تشرين الأول). وأوضح ليبرمان أن «الكشف عن المنشأة الثانية يبرهن، بلا أدنى شك، عن أن إيران تريد حيازة السلاح النووي، ونأمل بالتالي أن يكون هناك رد لا لبس فيه في اجتماع أكتوبر».
وحسب قادة آخرون فإن إسرائيل تدرس منذ مدة طويلة القيام بعمل عسكري حاسم حال استمرت إيران في تطوير برنامجها النووي. ووجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تحذيرات من داخل مقر الأمم المتحدة خلال الأسبوع الحالي، قائلا: «التحدي الأكثر إلحاحية الذي يواجه هذه المنظمة هو منع طغاة في طهران من الحصول على أسلحة نووية». وتتحدث مصادر نقلا عن مسؤولين وخبراء إسرائيليين كبار أن إسرائيل تدرس خيارات عسكرية، لكنها تدرك أيضا مخاطر ومشكلات جدية.
وأكدت تقارير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومصادر أخرى قد حصلت على جميع العناصر الضرورية لصنع هذه الأسلحة النووية وتوجيهها. وحسب هذه المصادر، فقد حصلت إيران على بيانات خاصة بتصميم أسلحة نووية كورية شمالية، وبيانات أخرى عن طريق بعض المصادر، مثل شبكة بيع كان يتزعمها الرئيس السابق للبرنامج النووي الباكستاني، عبد القدير خان.
ولدى إيران التقنية وقدرات الإنتاج والتصنيع التي تحتاج إليها من أجل صنع أسلحة نووية انشطارية. وقد حصلت على التقنية اللازمة لصنع مواد التفجير التي تحتاج لصنع أداة انفجار داخلي وعناصر الاستثارة ومطلق النيترون والعواكس. وقد قامت إيران بتجربة معالجة اليورانيوم والبلوتونيوم آليا. ووضعت موارد كبرى في برنامج صواريخ متوسط المدى يمكنها حمل أسلحة نووية. وقد قامت إيران أيضا بوضع تصاميم لأسلحة نووية لرؤوس حربية صاروخية. وهذه المقتدرات موزعة على الكثير من المنشآت داخل الكثير من المدن وفي مناطق نائية، وغالبا ما تكون هناك الكثير من الأبنية داخل كل منشأة.
ويؤكد خبراء دوليون أن توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية لإيران بمثابة تحدٍ كبير، مقارنة بالضربة الإسرائيلية التي وجهت إلى مفاعل «أوزيراك» بالعراق عام 1981. وربما لا يكتب لها النجاح. ويقولون إن المشكلات الجوهرية التي تطارد إسرائيل، لا سيما في ما يتعلق بالمقاتلات قصيرة المدى والقاذفات المقاتلة، هي المسافة التي تفصلها عن إيران، حيث إن الأهداف المحتملة داخل إيران تبعد بمسافة تتراوح ما بين 950 و1400 ميلا، وهو الهامش البعيد للمدى الذي يمكن للمقاتلات الإسرائيلية الوصول إليه مع إعادة التزود بالوقود في الجو. وسيكون على إسرائيل أن تدمر جميع الأهداف المعروفة جيدا داخل إيران. وأكثر من ذلك، أن إيران قضت أعواما في بناء منشآت سرية وتوزيع مكونات برامجها النووية والصاروخية في مختلف الأنحاء وصياغة بدائل لتجاوز مثل هذا الهجوم حال وقوعه. وفي أفضل الأحوال، فإن هذه العملية سوف تؤخر التعزيزات النووية الإيرانية. ولكن يحتمل بدرجة أكبر أن يستثير ذلك إيران ويدفعها إلى التسريع من خططها. وستثير أي ضربة جوية تمر عبر منطقة عربية أو دولة إسلامية غضب الدول العربية المجاورة، بالإضافة إلى روسيا والصين والكثير من الدول الأوروبية.
وتركز معظم التحليلات التي تتناول هجوما إسرائيليا محتملا على ثلاث منشآت معروفة داخل إيران: منشآت الطرد المركزي في ناتانز، والمفاعل النووي الذي يستخدم المياه الخفيفة بالقرب من بوشهر، والمفاعل الذي يعتمد المياه الثقيلة في آراك، الذي يمكن أن يستخدم لإنتاج البلوتونيوم. وتبعد جميع هذه المنشآت عن إسرائيل بمسافة تتراوح ما بين 950 و1000 ميل. وتتباين هذه الأهداف من ناحية المخاطر القريبة التي تطرحها أمام إسرائيل.
وتتمتع منشأة آراك بحماية نسبية، ولكن لا يوجد بها حتى الآن حوض مفاعل، ومن الواضح أنه لن يكون بها شيء كهذا حتى حلول عام 2011. ولا تقدم منشأة آراك تهديدا ملموسا لإسرائيل خلال عدة أعوام قادمة على الأقل. والمشكلة الرئيسية التي يمكن أن تواجهها إسرائيل هو أنه سيكون عليها في النهاية أن تضربه كجزء من أي هجوم على الأهداف الأخرى، لأنها لا يمكنها الانتظار، فقد لا يكون في استطاعتها القيام بسلسلة أخرى من الضربات لأسباب سياسية. كما أنها يمكن أن تواجه حينئذ دولة إيرانية لديها نظم دفاع جوي أفضل وقدرات صاروخية أطول مدى، وعلى الأقل بعض أسلحة اليورانيوم.
ويقع مفاعل بوشهر النووي على امتداد الساحل الجنوب الغربي في الخليج. وهو لم يعد يعمل، على الرغم من أنه يمكن تزويده بالوقود نهاية العام الحالي. ويحتاج بعض الوقت قبل أن يمكن استخدامه لإنتاج البلوتونيوم. وتختلف القصة داخل منشأة الطرد المركزي في ناتانز، حيث إنها تحت الأرض ومؤمنة بدرجة كبيرة ويحميها نظام صاروخي روسي قصير المدى، أرض ـ جو، يطلق عليه «تي أو آر ـ إم»، كما أنها الهدف الأكثر أهمية لدى إسرائيل. ويقدر خبراء إسرائيليون وخبراء أجانب أنه سوف ينتج يورانيوم منخفض التخصيب يكفي كي تكون إيران قادرة على بناء سلاحين نوويين انشطاريين خلال 2010، على الرغم من أنه سيتعين تخصيب هذه المواد بدرجة أكبر لتوفير «يورانيوم 235» الذي يستخدم مع الأسلحة.
ولدى إسرائيل مقاتلات ومستودعات إعادة تزويد بالوقود وأسلحة دقيقة التوجيه، جو ـ أرض، لضرب جميع هذه الأهداف حتى لو طارت عبر الطرق الأطول من أجل تجنب نظم الدفاع الجوي في الدول العربية المجاورة. وفي أغسطس (آب) 2003، أكدت القوات الجوية الإسرائيلية على قدرتها على ضرب أهداف بعيدة، مثل إيران، عن طريق طيران ثلاث طائرات «إف 15» إلى بولندا التي تقع على بعد 1600 ميل بحري. ويمكن أن تنطلق وحدتان أو ثلاث وحدات من الطائرات المقاتلة من أجل مجموعة واحدة من الضربات ضد إيران، مع توفير كمية وقود مناسبة. ويمكن أن تقدم إسرائيل مقاتلات مصاحبة، ولديها قدرات حربية إلكترونية كبيرة، ويمكنها الحد من الدفاعات الجوية القديمة لإيران. ويمكن أن تتسبب في خسائر للمقاتلات الإيرانية وصواريخ أرض ـ جو، ولكن ستكون هذه الخسائر محدودة.
وسوف تواجه إسرائيل مشكلتين هامتين، الأولى: هل يمكنها تدمير منشأة سرية مثل ناتانز. والثانية: ربما يجب أن تنال الضربة الجوية الناجحة من المزيد من الأهداف داخل منطقة أوسع من المواقع الثلاثة المعروفة. وقد قضت إيران أعواما في بناء منشآت سرية ومتفرقة، ومعروف أن لديها العشرات من المنشآت الأخرى المرتبطة في ناحية ما ببرامجها النووية. وعلاوة على ذلك، سيكون على إسرائيل أن توجه بنجاح ضربة إلى العشرات من الأهداف الإضافية من أجل إلحاق ضرر كبير لتهديد إيراني آخر وهو صواريخها الطويلة المدى.
ولكن، تبدو القصة مختلفة للغاية عندما يتعلق الأمر بتدمير المقتدرات النووية الإيرانية بالكامل. ولا توجد تقديرات غير سرية ذات معنى عن العدد الإجمالي من المنشآت النووية لدى إيران، ولكن يبلغ عدد منشآت البحث غير السرية، والمفاعلات، والطرد المركزي، العشرات من المنشآت. وأصبح واضحا خلال الأسبوع الحالي أن إيران تمكنت من إخفاء حقيقة أنها تبنى منشأة تحت الأرض لتخصيب اليورانيوم بالقرب من مدينة قم، التي تقع على بعد 100 ميل جنوب غربي طهران، وأن هذه المنشأة مخصصة كي يكون بها 3000 جهاز طرد مركزي. وتقوم إيران بتطوير أربعة أشكال على الأقل من أجهزة الطرد المركزي، وتتضمن التصميمات الحديثة قدرات أكبر من تلك الموجودة في ناتانز. ويجعل ذلك من السهل إخفاء سلاسل أجهزة الطرد المركزي في عدد من المنشآت الصغيرة المتفرقة ونقل المادة من منشأة إلى أخرى. كما أن منشآت إنتاج الطرد المركزي المعروفة موزعة على مناطق واسعة داخل إيران ويوجد البعض منها في مشهد، أقصى شمال شرقي البلاد ويصعب الوصول إليها مقارنة بآراك وبوشهر وناتانز.
وهناك مشكلة أخرى في الكثير من المنشآت المعروفة وهي أنها بين منشآت مدنية وأنشطة بحث نووي سلمية، مع أن القدرات الهجومية الإسرائيلية الدقيقة تتيح لها الحد من الضرر الذي يمكن أن يلحق بالمنشآت المدنية التي تقع في الجوار.
ومن غير الواضح ما إذا كان يمكن لإسرائيل أن تنتصر في ذلك، ومن غير المؤكد أن الولايات المتحدة تعرف جميع الأهداف المحتملة، ومن غير المؤكد بدرجة أكبر أن أي دولة أجنبية يمكنها معرفة ما تقوم به كل منشأة إيرانية، وإلى أي مدى يمكن أن يكون فيها منشآت طرد مركزي تستطيع إيران استخدامها بدلا من منشأة ناتانز لإنتاج يورانيوم يصلح للاستخدام في الأسلحة. وبالنسبة للعناصر الأخرى للبرامج النووية الإيرانية، فقد قامت إيران بتوزيع المنشآت الصناعية والفنية التي يمكن أن تستخدمها من أجل صناعة باقي الأسلحة النووية الانشطارية في مختلف أنحاء البلاد. ويمكن أن تكون هذه المنشآت في عدد كبير جدا من الأماكن بدرجة تجعل من الصعب على ضربة إسرائيلية أن تدمر المقتدرات النووية الإيرانية. ولا يوجد لدى إسرائيل الاستخبارات اللازمة لتقييم الدمار الذي يحدث إلى مجموعة واسعة من الأهداف الصغيرة والمفترقة ولرصد المحاولات الإيرانية الجديدة.
ومع أنه لدى إسرائيل طائرات هجوم ومقاتلات لتنفيذ ضربات أخرى إذا استمرت إيران في إعادة البناء، يحتمل ألا تستطيع توفير الوقود لقوة أكبر بالدرجة الكافية أو تقديم الاستخبارات اللازمة أو إمكانيات الحرب الإلكترونية المطلوبة للاستمرار في ضرب إيران في أي شيء مثل النطاق الضروري. وأكثر من ذلك، ليس لدى إسرائيل القوات الكافية لتنفيذ سلسلة من الهجمات الأخرى إذا استمرت إيران في إعادة بناء منشآت أخرى، ولا يمكن أن تبقى دولا عربية صامتة وتسمح لإسرائيل باختراق مجالها الجوي. وربما يكون على إسرائيل التعامل مع روسيا التي قد تكون لها رغبة أكبر في بيع مقاتلات متطورة لإيران وصواريخ أرض ـ جو إذا ما هاجمت إسرائيل المفاعل الذي بنته روسيا في بوشهر. وهذه هي المشكلات التي تجعل عددا من خبراء الاستخبارات الإسرائيلية البارزين والضباط العسكريين يرون أنه يجب أن لا تقوم إسرائيل بتوجيه ضربة إلى إيران، ويرى عدد قليل أنه يجب على إسرائيل تجنب التلويح بهذه الهجمات لمساعدة الولايات المتحدة والجهود الدبلوماسية الأخرى على إقناع إيران بالتوقف.
متصفحك لا يدعم الجافاسكربت أو أنها غير مفعلة ، لذا لن تتمكن من استخدام التعليقات وبعض الخيارات الأخرى ما لم تقم بتفعيله.