فتحاوي عريف
عدد المساهمات : 186 تاريخ التسجيل : 10/08/2009
| موضوع: "الصنمية الاقتصادية" لجهة علاقتها بالأزمة المالية العالمية! بقلم:جواد البشيتي الثلاثاء سبتمبر 15, 2009 8:06 pm | |
| "الصنمية الاقتصادية" لجهة علاقتها بالأزمة المالية العالمية!
جواد البشيتي
في معرض تحليله العلمي والعميق للنظام الاقتصادي الرأسمالي، والذي اشتمل عليه، في المقام الأوَّل، كتابه "رأس المال"، تحدَّث مار؟؟؟، وإنْ في إيجاز واختصار، عن ظاهرة "الصنمية السلعية"، مُظْهِراً ومبيِّناً منطقها (الاقتصادي) المتهافِت؛ ثمَّ جاءت الأزمة المالية (والاقتصادية) العالمية، التي انطلقت من "وول ستريت"، لتُظْهِر وتؤكِّد ما تنطوي عليه تلك "الصنمية"، أو "الوثنية"، من مخاطِر على النظام الرأسمالي، وفي زمن "العولمة" على وجه الخصوص.
ومن غير مغالاة أو مبالغة أقول إنَّ المستثمِرين العرب، من أفراد وشركات ودول، هم الأكثر استمساكاً بعقيدة، أو ثقافة، استثمارية، تقوم على "الصنمية السلعية"، مع أنَّ الإسلام كان حرباً على الأصنام والأوثان، أكانت معبودة لذاتها أم تُتَّخذ وسيلة للتقرُّب إلى الخالق.
أمَّا ما حَمَل مار؟؟؟ على التحدُّث بشيء من الاهتمام عن ظاهرة "الوثنية السلعية"، في زمانه، فهو سوء فهم كثير من الناس للذهب، أو للنقود في أصلها أو محتواها الذهبي، فهذا المعدن الأصفر الغالي الثمين، والذي بنزرٍ منه تشتري بضائع كثيرة، كان يُنْظَر إليه على أنَّه شيء يستمدُّ أهميته أو قيمته الاقتصادية (أو التبادلية) تلك من "خواصِّه الطبيعية"، فالذهب غالٍ؛ لأنَّه ذهب!
قديماً، تفتَّق ذهن أحد المشتغلين بالكيمياء البدائية عن فكرة تحويل الرصاص (في طريقة ما) إلى ذهب، متوهِّماً أنَّ النجاح في ذلك سيأتي لأصحابه بثراءٍ قارونيٍّ؛ ولكنَّه سرعان ما ظهرت له الحماقة في "فكرته الذكية"، فأحد الحكماء تساءل ضدَّ وهمه قائلاً "وهل يظلُّ الذهب ذهباً، أي محتفظاً بما يتمتَّع به الآن من قيمة اقتصادية تبادلية، إذا ما نجحنا في تحويل كل أو معظم ما لدينا من معدن الرصاص إلى ذهب؟!".
لقد جعلوا الذهب صنماً إذ تصوَّروه على أنَّه شيء يستمدُّ أهميته أو قيمته الاقتصادية من ذاته، أي من خواصِّه الطبيعية، ضاربين صفحاً عن حقيقة أنَّه لا يختلف عن سائر البضائع إلاَّ في اشتماله على مقدار أكبر من العمل، فلو لم يسْتَلْزِم إنتاجه عملاً أكثر لتضاءلت قيمته الاقتصادية (التبادلية).
ومع خروج الذهب من السوق، وحلول "نوَّابه وممثِّليه" محله، وفي مقدَّمهم "النقد الورقي"، استفحلت "الصنمية الاقتصادية"، وهبطت بـ "عقيدة الاستثمار" إلى الدرك الأسفل من الخرافة والوهم، فالأصنام المصنوعة من ورق (ليس إلاَّ) حلَّت محل الأصنام المصنوعة من ذهب؛ وصار "المستثمِرون" ضيِّقو الآفاق يحسبون ثرواتهم بالأوراق النقدية، وبغيرها من الأوراق؛ ولقد استبدَّت بـ "عقولهم الاستثمارية" فكرة بلهاء هي أنَّ المال، الذي لا يميِّزوه من "الثروة الحقيقية"، يَلِد (من ذاته، أو من تلقائه) مالاً.
ولو سألْتَ مستثمِراً عربياً "ذكياً" عن "الاستثمار" لأجابكَ على البديهة قائلاً: إنَّه كومة من الأوراق تملكها، فتشتري بهذه "الثروة الورقية" أوراقاً مالية أخرى تسبَّب قانون العرض والطلب برخصها، فتبيعها عندما يتسبب القانون نفسه بغلائها، فتَرْبَح من الفرق بين سعري الشراء والبيع، فتنمو، بالتالي، ثروتكَ الورقية، فينمو بنموِّها إيمانكَ بأنَّ "الثروة" هي المال إذ جاء بمزيدٍ من المال (من خلال لعبة الاستثمار في أسواق المال)!
لقد ارتدَّ المستثمرون من مواطني "وول ستريت"، وأمثالها وأشباهها، عن ديانتهم (الاقتصادية) الأولى، والتي تقوم على مبدأ "العمل، والعمل فحسب، هو مَصْدَر كل ثروة (حقيقية)"، متَّخِذين ممَّا يشبه السحر والشعوذة ديانة (اقتصادية) جديدة لهم، فظهرت "الليبرالية الجديدة" على أنَّها دعوة إلى الإيمان بأنَّ "الأوراق (المالية) لا العمل هي مَصْدَر الثروة"، فهي، أي تلك الأوراق، وفي طريقة سحرية، تتكاثر، فَتَكْثُر ثروات الأمم والشعوب والمجتمعات!
ولكن، ما الذي حَمَلَهم على هذا الإيمان، الذي يَخُطُّه الوهم من ألفه إلى يائه؟
لقد رأوا مستثمراً (في الأسواق المالية) يملك مليون دولار، مثلاً، أو يملك من "الأوراق" ما قيمته مليون دولار، فيشتري، ويبيع، ثمَّ يشتري ويبيع، فيصبح لديه، بعد انتهاء لعبته الاستثمارية هذه، مليون ونصف المليون دولار. لقد رَبِحَ، ونمت ثروته (المالية).
هذا في النصف الأوَّل من المشهد؛ أمَّا في نصفه الآخر فنرى، وينبغي لنا أن نرى، "المستثمِر الآخر"، الذي كان يملك مليون دولار، فأصبح يملك (إذ خسر حتماً في تلك اللعبة) نصف مليون دولار.
"الرابح" هو الذي كان يملك مليون دولار فأصبح يملك مليونا ونصف المليون دولار؛ و"الخاسر" هو الذي كان يملك مليون دولار فأصبح يملك نصف مليون دولار. لقد خسر أحدهما فربح الآخر؛ وهذا الذي ربح لم يربح إلاَّ ما يَعْدِل، مقداراً، ما خسره الآخر.
بهذا المعنى فحسب، يمكننا الحديث عن "الأرباح" و"نمو الثروات" في الأسواق المالية؛ ولكن، هل ربحت (أو خسرت) تلك السوق المالية، والتي قيمتها، في مثالنا الافتراضي هذا، 2 مليون دولار؟
كلاَّ، فهي لم تربح ولم تخسر، فثروتها (أو قيمتها) ظلَّت في الحجم نفسه (2 مليون دولار). أمَّا لو جئتَ بهذه "الثروة النقدية (2 مليون دولار)"، واشتريتَ بها آلات ومواد أوَّلية.. و"قوى عمل (بشري)"، واستهلكت كل ذلك (افتراضاً) توصُّلاً إلى إنتاج كمية من البضائع، فإنَّ الـ "2 مليون دولار" ستغدو، عندئذٍ، 3 ملايين دولار.
في هذه الطريقة فحسب، يصبح ممكناً جَعْل المال وسيلةً لتنمية الثروة الحقيقية للمجتمع، فـ "الاقتصاد الحقيقي"، أي الاقتصاد المنتِج للسلع في المقام الأوَّل، هو وحده الحيِّز الاقتصادي الذي فيه، وبه، تتحوَّل "الثروة الورقية" إلى "ثروة حقيقية" تنمو في استمرار.
هنا، وهنا فحسب، يُنْتَج "الربح الحقيقي"، فتنمو "الثروة الحقيقية" للمجتمع؛ أمَّا السبب، الذي لا يشكِّك في وجاهته إلاَّ أعمى البصر والبصيرة، فيكمن في "العمل الحي"، الذي هو وحده مَصْدَر الثروة الحقيقية للمجتمع.
بالمال، أي بالنقود الورقية، "تتحقَّق" قيم السلع التي ينتجها المجتمع، فـ "التداول النقدي" هو الذي بفضله "تتحقَّق" تلك القيم. والمال، بتوظيفه في "الاقتصاد الحقيقي"، وعبر "العمل الحي"، تُنْتَج وتنمو الثروة الحقيقية للمجتمع.
والكارثة تَعْظُم مع اتِّساع وتعمُّق انفصال "الاقتصاد الورقي" عن "الاقتصاد الحقيقي"، فكلَّما حُجِبَت "الثروة النقدية" للمجتمع عن "الاقتصاد الحقيقي"، وضُخَّت في أسواق المال والأسهم والسندات..، وكلَّما استبدَّت بالمستثمرين في هذه الأسواق فكرة "المضاربة"، استجمع المجتمع مع اقتصاده الحقيقي مزيداً من أسباب الهلاك، فلا ينجو من أزمة (مالية واقتصادية) إلاَّ ليقع في أزمة أشد وأعنف.. حتى ترجح كفَّة خيار "إعادة البناء من خلال الهدم" على كفَّة خيار "الإصلاح"، الذي يَخُطُّ في وصيته الأخيرة "لا يصلح العطَّار ما أفسده الدهر"! | |
|