فتحاوي عريف
عدد المساهمات : 186 تاريخ التسجيل : 10/08/2009
| موضوع: السلطان العثماني سليم الأول، قاهـر الصفويين بقلم: أحمد الظرافي الثلاثاء سبتمبر 15, 2009 7:41 pm | |
| تعتبر الدولة الصفوية التي قامت في شمالي إيران عام 1501 أول دولة شيعية اثنى عشرية في تاريخ الإسلام، وجاءت بعد حوالي تسعة قرون من التقية وحياة العزلة والانزواء عاشتها هذه الطائفة، انتظارا لخروج الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري المعروف بالمهدي عند الشيعة، والذي دخل سردابا في سامراء في القرن الثالث الهجري، ولم يخرج منه، حتى جاء الصفويون في ذلك التاريخ فأعلنوا عن قيام دولتهم، بدعوى النيابة عن ذلك الإمام الغائب. وهذه الطائفة تعتبر الأكثر غلوا في الدين، والأكثر شطحات في البدع، والأكثر حقدا على أهل السنة. ولذا لم يكن غريبا أن تجعل من أهل السنة - بعد تمكنها - عدوها اللدود، وان تنشغل بمحاربتهم وتوجه خناجرها المسمومة إلى ظهورهم ونحورهم، بل وتتحالف ضدهم مع العدو الصليبي الصائل المتمثل في البرتغاليين آنذاك.
الصفويون وخطرهم على العثمانيين ----------------------------------- بعد الإعلان عن قيام الدولة الصفوية عام 1501، لم يكتف الصفويون بمحاربة مذاهب أهل السنة في إيران، وتصفية المراكز الإيرانية منها، بإبادة وتشريد معتنقيها أو إجبارهم على التشيع بالحديد والنار، وإنما أرسلوا المئات من دعاتهم المدربين والمحترفين في التضليل، لنشر المذهب الشيعي في الأقاليم التابعة للدولة العثمانية، وتحريض الأقليات الشيعية في هذه الأقاليم على إعلان التمرد والانتفاض على السلطان العثماني، ولاسيما القبائل التركمانية البدوية في الأناضول، معقل العثمانيين، ونشط أولئك الدعاة الشيعة في تلك المنطقة نشاطا كبيرا، ووجدوا لهم فيها أعواناً كثيرين سواء من المغرر بهم، أو من الحاقدين على العثمانيين والحاسدين لهم، بحيث مهدوا لهم الطريق لنشر عقيدتهم الفاسدة في أوساط أهل تلك المنطقة. وكان الهدف الأبرز للصفويين – فيما يبدو، هو هدم الدولة العثمانية من الداخل، بعد أن عجزت القوى المعادية الأخرى والدويلات المنافسة لها، عن إسقاطها من الخارج. ومن ثم – وهذا هو الأهم بالنسبة للصفويين- قصم ظهر أهل السنة، بالقضاء على هذه الدولة الفتية التي أعادت تجميع شملهم، وأعادت للإسلام هيبته، وأعادت أمجاد الفتوحات من جديد، بعد فترة طويلة من الركود والتمزق والغزوات الخارجية. وكان الذي أطمع الصفويون في تبني تلك الخطة الجهنمية ضد الدولة العثمانية، هو كبر سن السلطان الذين كان يجلس على عرش الدولة العثمانية آنذاك، وهو السلطان بايزيد الثاني، ابن السلطان خالد الذكر محمد الفاتح، وتركه شؤون الحكم لأبنائه ووزرائه، حيث كان الأبناء في تنافس وصراع مرير على السلطة، وانصراف عن الاهتمام بكشف دسائس الأعداء التي كانت تحاك ضد دولتهم، مما أدّى لاختلال الأمن في البلاد، ولأن يطمع العدو المتربص فيهم. وفضلا عن ذلك فقد كان التصوف يغلب على السلطان بايزيد الثاني، وكان نزاعا نحو حياة التأمل والدعة والسكون، كارها للحروب، حريصا على حقن دماء المسلمين. وهو بطبيعة الحال كان يجنح إلى السلام مع الصفويين، وتدعيم علاقات حسن الجوار بينه وبينهم، برغم سوء النية الذي أظهروه ضد أهل السنة، وتكشيرهم عن أنياب الشر والغدر لهم. وعندما علم السلطان بايزيد الثاني، أن الشاه إسماعيل الصفوي يشن حرب إبادة شاملة ضد أهل السنة في إيران، بصورة جعلتهم يهربون إلى الأراضي العثمانية، ويلجئون إلى السلطان طالبين الحماية منه، اكتفى ببعث كتاب إليه ينصحه بالتزام العقل والحكمة في معاملتهم.
ثورة شيطان قولو وتداعياتها ---------------------------- وهذه السياسة السلمية التي اتبعها السلطان بايزيد الثاني إزاء الصفويين، لم يكن لها أي صدى أو اعتبار لدى الشاه إسماعيل الصفوي، الذي عرف بقسوته وطيشه وتحديه للمسلمين السنة، فاستمر في غيه وفي ممارساته الطائفية البغيضة وفي توسيع دائرة سلطانه على حساب القوى الإسلامية السنية المجاورة، فأخذت دولته تتضخم، بعد أن احتضنها الفرس، وضمنوها ثقافتهم وآدابهم، وتظهر على مسرح الأحداث كقوة مناوئة للعثمانيين السنة، وعنصر مقلق لها ، وشكلت خطرًا داهمًا على وحدتها وأمنها واستقرارها. وفي عام 1511 بلغ الخطر الصفوي الشيعي ذروته ، فقد رفعوا لواء التمر على الدولة العثمانية في الأناضول، معقل العثمانيين، وقاموا بثورة ضخمة هزتها هزا عميقا، ودمرت الأخضر واليابس، وذلك بقيادة زعيم شيعي تركماني، اسمه شاه قولو ( أي عبد الملوك ) ، الذي أطلق عليه السنة اسم شيطان قولو ( أي عبد الشيطان ) ، وأدت أعمال الإرهاب الجماعي والفضائح التي أقترفها أتباع شيطان قولو، إلى زرع البغضاء في الوسط السني. فقد قام أتباع هذا الشيطان، والمدعومين من قبل الشاه إسماعيل الصفوي، بتدمير المساجد والمدارس وإحراق القرى وهدم مقرات ومساكن الدراويش وأضرحة الأولياء . كما حرقوا جميع نسخ القرآن (الناقصة وفق معتقدهم البغيض)، وكتب التراث الإسلامي (المزورة بزعمهم (، ومارسوا أعمال السلب والنهب على أوسع نطاق. وقد كلفت هذه الثورة الدولة العثمانية غاليا قبل أن تستطيع القضاء عليها. وفضلا عن ذلك قام الشاه إسماعيل الصفوي، بمساعدة الأمير أحمد العثماني الذي تمرد على والده السلطان بايزيد الثاني، ثم ضد أخيه السلطان سليم الأول. وإضافة إلى سيطرته على أفغانستان والعراق بما فيها بغداد عاصمة الخلافة، وما صاحب ذلك من انتهاكات ومجازر مروعة ضد أهل السنة، قام الشاه إسماعيل الصفوي، باغتصاب بعضا من أقاليم العثمانيين في الأناضول، بينما كانت جيوشهم منشغلة بالفتوحات في أوروبا، أو بالصرعات الداخلية بين أبناء السلطان بايزيد الثاني. كل هذا وغيره قد أثار حفيظة الدولة العثمانية تجاه الصفويين، وأدى إلى توتير العلاقات أكثر فأكثر بين الطرفين. وبدأت المناوشات العسكرية بينهما في السنوات الأخيرة من عهد السلطان بايزيد الثاني. بيد أن ذلك لم يكن سوى ردود أفعال دفاعية على تحرشات قوات الشاه إسماعيل الصفوي، ولم تكن هناك – في عهد السلطان بايزيد الثاني أية خطة حقيقية منظمة ، مطروحة للبحث لمجابهة الخطر الصفوي الشيعي الداهم.
سليم الأول، زعيما للعثمانيين ---------------------------- وهذا الموقف المتراخي من السلطان بايزيد الثاني، لم يعجب قادة الإنكشارية، فتوجهت أنظارهم نحو ولده الأمير سليم الذي كان يشبه جده السلطان محمد الفاتح لحد كبير، في حبه للجهاد والفتوحات والتوسع في أوروبا. وفي ابريل 1512 فرضت الانكشارية على السلطان بايزيد الثاني التنحي عن السلطنة لكونه – بجانب عوامل أخرى - كان حينئذٍ قد أقترب من السبعين، ولم يعد قادرا على تحمل ضغوط ومشقات المشاكل والحروب التي كانت تتزاحم على الدولة العثمانية في تلك المرحلة - في وقت توقفت فيه الفتوحات في الغرب، وتراجعت هيبة الدولة، وتفاقمت فيه أخطار الشاه إسماعيل الصفوي من جانب، وأخطار أنصاره الشيعة التركمان في الأناضول، والذين رفعوا راية التمرد والطائفية وباتوا يهددون بتقويض الدولة من الداخل من جانب آخر ، فاضطر السلطان بايزيد الثاني – إيثارا للسلام، ونتيجة لتزايد ضغوط الانكشارية - إلى التنازل طواعية عن مقاليد الأمور لأبنه سليم الأول الملقب بالشجاع – لدى الأتراك – والرهيب لدى الغرب. وكان سليم الأول - الذي كان يبلغ الثانية والأربعين من عمره عشية توليه السلطنة العثمانية- يتصف بعلو الهمة والجسارة، والبنية القوية والذهن الوقاد، فضلا عن كونه كان يحظى بتأييد ودعم الانكشارية والجيش ، كما كان السلطان سليم شجاعا ذكيا طموحا عظيم الهيبة، ذو عزيمة تفل الحديد، ونفسٍ تحب الغزو والجهاد ، وكان يميل إلى القوة العسكرية، بل يعده المؤرخون أحد العبقريات العسكرية في التاريخ، لدهائه، وإنجازاته العسكرية . ولا غرابة في ذلك فهو حفيد السلطان محمد الفاتح ، السلطان العثماني الكبير ، صاحب الشرف العظيم - بتحقيق بشارة الرسول صلى الله عليه وسلم - بفتح القسطنطينية عام 1453م . وكان يُنظر لسليم الأول على أنه رجل تلك المرحلة الحرجة ، والأمل المرتجى في إعادة الهيبة للدولة العثمانية ، وفي دفع حركة الفتوحات إلى الأمام، وجمع كلمة المسلمين، وكان من حسن حظ أهل السنة أن يتولى زعامة الدولة العثمانية، حامية حمى الإسلام ومحط آمال المسلمين في ذلك الوقت، لا سيما في ظل تداعي الدولة المملوكية في مصر، والند الشيعي العنيد المتمثل بالدولة الصفوية. كان من حظ أهل السنة أن يتولى زمام أمور الدولة العثمانية، هذا القائد الحازم ، صاحب العبقرية العسكرية الفذة ، والطامح لتوحيد شمل الأمة الإسلامية ، وإعادة الزخم إلى الخلافة الإسلامية من جديد، وأيضا غير المتساهل مع الخارجين والمهرطقين ومثيري الفتن والقلاقل، ولو كانوا من أقرب المقربين إليه، والمؤهل – بالتالي – لكبح جماح الدولة الصفوية المارقة، والتي فرقت كلمة المسلمين وأوهنت أمرهم ، وتمادت في غيها وظلالها فتحالفت مع الغرب الصليبي ضدهم. ولكن وعلى الرغم من شخصيته العسكرية وما أتصف به من بطش وجبروت، فقد كان السلطان سليم الأول يجل العلماء والأدباء ويقدمهم في مجلسه، ويحسن إليهم، وكذلك شجع رعاياه على العلم وطلبه, كما أنه كان عارفا بالفقه والشعر والتاريخ.
سياسة سليم الأول تجاه الصفويين -------------------------------- عندما اعتلى السلطان سليم الأول عرش السلطنة العثمانية في أبريل 1512، كان أمر الدولة الصفوية في ذلك الوقت قد استفحل، وبلغت الغاية في الصلف والمشا؟؟؟ة والعدوانية ضد أهل السنة، ولهذا أضطر السلطان سليم الأول إلى إحداث تغيير جذري في سياسة الدولة العثمانية الجهادية، فقد أضطر إلى تجميد الفتوحات في غرب أوروبا - حتى إشعار آخر - والتوجه بكل ما أوتي من قوة نحو الشرق . ولم يكن ذلك – والحق يقال - لمحاولة القضاء على الدولة الصفوية الشيعية والانتصار للسنة فقط، وإنما أيضا من أجل إنقاذ المقدسات الإسلامية في الحجاز، التي كانت عرضة لتهديد الفرنجة البرتغاليين الذين التفوا حول أفريقيا ووصلوا إلى الهند، وأضحت أساطيلهم المعادية تمخر عباب المحيط الهندي وبحر العرب ومداخل البحر الأحمر وتهاجم سواحل المسلمين في اليمن والخليج ، ويتحفز قراصنتها لمهاجمة مكة والمدينة تحديا واستفزازا لمشاعر المسلمين. بيد أن التصدي لمؤامرة الدولة الصفوية المجاورة لهم – بعد الفراغ من الإصلاح العسكري وتوطيد الأمور الداخلية - كانت على رأس أولويات السلطان سليم الأول. في بداية الأمر - ولكي يحمي ظهره في الداخل – نشط السلطان سليم الأول ورجاله الأمنيين بتتبع وحصر الشيعة الذين شقوا عصى الطاعة وفارقوا الجماعة وخرجوا على الدولة العثمانية وأيدوا الشاه إسماعيل الصفوي في الأناضول، ثم قام بفرض الرقابة عليهم قبل أن يقوم بالتنكيل بهم وإعدام أو سجن الكثيرين منهم ، واستعمل معهم سياسة صارمة لا هوادة فيها ولا رحمة، وقد أثبتت هذه السياسية الصارمة نجاعتها فيما بعد، إذ لم تقم للشيعة قائمة أبدا في هذه المنطقة. وحظيت تحركات السلطان سليم الأول في هذا المضمار ، بدعم وتأييد مختلف القطاعات في الدولة العثمانية، بما في ذلك شيخ الإسلام، وعلماء السنة ، والذين أفتوا بجواز قتال الصفويين ، واعتبروا ذلك جهادا مقدسا لغلوهم في البدع وشطحاتهم وشركهم ونواياهم الخبيثة تجاه الإسلام وأهله ولغير ذلك من الأعمال التي تجعلهم خارجين عن الملة وعن الدين. وعلى أي حال فإن هذه كانت عادة من عادات سلاطين بني عثمان بحيث أن السلطان كان لا يقدم على الدخول في حرب من الحروب دون أن يستصدر فتوى من شيخ الإسلام، أن هذه الحرب لا تتعارض مع الدين، وأن لها أسبابا قوية توجب الدخول فيها، لكن الصفويين - في صراعهم مع العثمانين - كان لهم – في المقابل - فتاواهم ودعاياتهم المغرضة ضد العثمانيين، والتي تقول بكفرهم وبانتسابهم إلى الروم وليس إلى أهل الإسلام. على أن السلطان سليم الأول – والحق يقال – في أثناء الزحف تجاه الأراضي الإيرانية - بعث برسالة أخيرة للشاه إسماعيل الصفوي محاولا من خلالها استتابته وإرجاعه إلى طريق الهدى والحق ،ولكنها لم تجد آذانا صاغية لدى الشاه، والذي كان من عادته المراوغة والتلكؤ والتهرب من إعطاء جواب حاسم.
معـركة جالديـران ---------------- خلال فترة من الوقت تمكن السلطان سليم الأول من إنجاز الإصلاح العسكري، والتخلص من المنافسة الأسرية، وقمع تحركات الشيعة الموالين للصفويين داخل البلاد، جمع جيشا ضخما قوامه حسب التقديرات المعتدلة [100 ألف مقاتل] ، وكان الجيش العثماني جيد التسليح والتجهيز، وكان العثمانيون يمتلكون أفضل مدفعية في العالم آنذاك. وكان هذا هو الفارق الرئيسي بين الجيشين المتعادلين تقريبا من حيث أعداد الجنود. وانضمت بعض القبائل الكردية السنية إلى العثمانيين كما أنضم بعض عرب الشيعة العراقيين بدورهم إلى الشاه إسماعيل الصفوي وعلى رأسهم كمونة والي بغداد للصفووين.الذي كانوا يطلقون عليه خليفة الخلفاء من باب السخرية - وهذا يدل على أن الشيعة ملة واحدة وأنه لا فرق من حيث نصب العداوة لأهل السنة بين الشيعة العرب والشيعة العجم. وهو ما يحاول القوميون أن يرسخوه في عقولنا لكي يثبتوا أن الولاء القومي فوق الولاء المذهبي. وذلك في اتجاه معا؟؟؟ للشواهد التاريخية والواقعية. وكان الانكشارية – كما هو شأنهم - في طليعة ذلك الجيش . والانكشارية فرقة عسكرية من المشاة مدربة تدريبا عاليا، وعلى قدر كبير من الانضباط والتماسك المعنوي، وتعتبر هذه الفرقة قوام الجيش العثماني وعماده، وامتاز جنودها بالشجاعة الفائقة، والصبر والضراوة في ميدان القتال، والولاء التام للسلطان العثماني باعتباره إمام المسلمين، لكونهم تربوا تربية إسلامية أساسها حب والجهاد الاستشهاد في سبيل الله والطاعة ونشئوا نشأة عسكرية خالصة، منذ نعومة أظفارهم.وكانوا العمود الفقري لقوة الدولة العثمانية وهم سر عظمتها وانتصاراتها في فتوحاتها وتوسيع رقعتها في القارات الثلاث، وكانوا أكثر أهمية من سلاح الفرسان. ولما علم الشاه إسماعيل الصفوي بزحف العثمانيين - وكان ذلك في المحرم سنة920هـ، الموافق مارس 1514م – لم يبد حماسة للمعركة في بداية الأمر، ومع تقدم الجيوش العثمانية أراد الصفويين خديعتها بالتراجع المخطط حتى إذا أنهك الجيش العثماني انقضوا عليه، وأمر الشاه إسماعيل الصفوي بحرق المحاصيل وبتخريب الطرق والجسور والقرى الواقعة في طريقهم ، وكان الهدف من ذلك تعطيل تقدم الجيش العثماني ، وإنهاك قواه ، وحتى لا يجد جيش العثمانيين من المؤن ما يساعده على التوغل في بلاد فارس ، من جهة ، ولتأخير موعد النزال، إلى أن يحل الشتاء القارس الممطر، حتى يهلك العثمانيون برداً وجوعاً من جهة أخرى . بيد أن ذلك لم يحل دون تقدم الجيش العثماني ، كما أن جميع خدع الشاه إسماعيل الصفوي قد منيت بالفشل الذريع، ولم تنطل أي منها على السلطان سليم الأول، الداهية – كما سبق أن انطلت خديعة الشاه السابقة على شيباني زعيم قبائل الأوبك السنية، وهي الخديعة التي أوقعت بشيباني وجيشه هزيمة قاسية في مرو على أيدي الصفويين في سنة 916هـ - 1510م - فكان أن واصل السلطان سليم الأول استفزاز الصفويين والضغط عليهم - مستغلا نقاط ضعفهم - حتى أجبرهم على الخروج للقائه ، إلى ميدان المعركة الذي كان قد اختاره في صحراء جالديران في شرقي تبريز. وكان جيش الإيرانيين مؤلفاً جميعه من الخيالة ومنهم فرق تلبس الزرد وفرق من طوائف الفداوية المشهورين وكان بمعية الشاه كثير من الأمراء والأعيان والمشايخ وغيرهم ولم يكن بجيشهم أسلحة نارية. والتقى الجمعان في يوم 2 رجب 920هـ/ 23 من أغسطس 1514 م، فانقض السلطان سليم الأول بجيوشه كالصاعقة على جيوش الصفويين فمزقها شر ممزق، وقتل منها مقتلة عظيمة، وجرح الشاه إسماعيل الصفوي، فسقط عن جواده، وكاد يقع في قبضة العثمانيين لولا مبادرة غلمانه لإنقاذه وتهريبه على جناح السرعة إلى أذربيجان، تاركا حرمه وخزائن أمواله لقمة سائغة للعثمانيين، ووقع عدد كبير من قواد الشاه في الأسر. وبعد ذلك استأنف السلطان سليم الأول والجيش العثماني زحفه لمطاردة الشاه، ودخل السلطان سليم ( تبريز) متوجا بالنصر والظفر ، وانتصر العثمانيون نصرا باهرا– وذلك بفضل مدفعيتهم المتفوقة ودقة تنظيم جيشهم، وبسالة جنودهم وصدق نيتهم.
نتائج معركة جالديران -------------------- نجح السلطان سليم الأول بهذا الانتصار الباهر، في ت؟؟؟ير أنياب الغول الصفوي، لأجل مسمى، وفي رد محاولة الصفويين للتوسع والتمدد على حساب الدولة العثمانية، والبلاد الإسلامية السنية، وفي محاصرة التمدد الصفوي في أضيق نطاق، كما نجح السلطان في إزاحة الصفويين عن المنافسة في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، وقطع أملهم في اجتياح مكة والمدينة والسيطرة على المقدسات الإسلامية، وإن كان السلطان لم يتمكن من القضاء المبرم عليهم، حيث ظلت الدولة الصفوية كالورم الخبيث في الجسد الإسلامي، وذلك بسبب عدم استثمار الانكشارية للنصر في جالديران ونكوصهم عن إكمال المهمة في تقعب الشاه إسماعيل الصفوي في عمق الأراضي الإيرانية. ويُشار إلى أن هذه المعركة غيرت وجه التاريخ في منطقة الشرق الأوسط، وكانت بداية مرحلة جديدة ، وقد استقبلت أخبار انتصار سليم الأول في جالديران في عام 1514 بمظاهر الابتهاج في أوساط جميع الطوائف الإسلامية باستثناء الشيعة، والذين اغتموا لذلك أيما غم. وقد استطاع السلطان سليم الأول بقضائه على جيش الصفويين في تلك المعركة أن يحقق، لدولته الأمان من عدو ظل يشكل خطرًا حقيقيًّا عليها لفترة طويلة من الزمان، لكن جبهة الصـراعات المفتوحة ظلت في العراق. فقد احتل الصفويون بغداد ثلاث فترات مجموعها 37 سنة. ولقد أسفرت هذه المعركة عن ضم شمالي العراق وديـار بكر إلى الدولة العثمانية، عام 1516، وإنهاء أسرة ذو القدر الشيعية في مرعش والبستان، والتمكين للسنة في آسيا الصغرى، وانحصار المذهب الشيعي في إيران وحدها . وقد كشفت هذه المعركة عن وجود علاقة وثيقة وتنسيق كامل بين الصفويين والبرتغاليين ألد أعداء الإسلام الذين تحركوا مستغلين انشغال العثمانيين بقتال الصفويين، وأحكموا سيطرتهم على كافة الطرق القديمة بين المشرق والمغرب. وأما بالنسبة للشاه إسماعيل الصفوي فعلى الرغم من هزيمته الساحقة، وإبادة معظم جيشه، وفقد بعض نفوذه في الداخل بصورة حالت بينه وبين الرجوع إلى القتال، إلا أنه لم يرتدع، ولم يتراجع عن غيه، وشغل نفسه بالتفكير في طريقة الانتقام من غريمه سليم الأول، واتشح بالسواد وكتب على أعلامه السوداء كلمة القصاص وزاد حقده على أهل السنة، وتنكيله بهم لتعاون بعضهم مع العثمانيين، وعند ما استعاد تبريز عاصمته، بعد انسحاب الجيش العثماني، قام أتباعه بارتكاب مجزرة جماعية اقتلعت أهل السنة منها تماما. ودفعت الشاه هزيمته القاسية وتصميمه على الانتقام إلى الحرص الشديد على توثيق عرى تحالفه مع البرتغاليين - أشد القوى الصليبية خطراً على العالم الإسلامي حينذاك. وبموجب اتفاقية 1515م بين الشاه إسماعيل الصفوي والبرتغاليين، تمكن ديالبوكركي مقابل تحالف عسكري ضد العثمانيين، من الحصول على اعتراف الصفويين بحق السيطرة البرتغالية على هرمز . وتنازل الصفويون للبرتغاليين عن حق تقاضي الرسوم الجمركية في مرافئ شرق شبه الجزيرة العربية، وأعطوا موافقتهم على نشاط البرتغاليين في الخليج الفارسي . وقد أدى ذلك إلى تقوية التسلط البرتغالي على الخليج ، وزيادة خطرهم على مقدرات الأمة ومقدساتها. بيد أن الشاة إسماعيل الصفوي ما لبث أن مات بحسرته في رجب 930هـ- مايو 1524م، دون أن يحقق أيا من مشاريعه وحل محله ابنه طهماسب، وكان سليم الأول قد مات قبله بسنوات، وتحديدا عام 1518م ، بشكل مفاجئ، دون أن يحقق أمنيته في القضاء على الدولة الصفوية، وفي غزو الهند. لكنه كان قد نجح في فتح الشام ومصر والحجاز، وضمها إلى الدولة العثمانية، ناهيك عن الحدث الأبرز الذي قام به، وهو تتويج نفسه خليفة للمسلمين، بما يعنيه ذلك من تحمله لمسئولية حماية الحرمين الشريفين في مكة والمدينة، وتمثيله لعموم المسلمين. | |
|