محمد المشرف العام
عدد المساهمات : 1001 تاريخ التسجيل : 23/07/2009 الموقع : alasaalah.ahlamontada.net
| موضوع: نخب غزة - بقلم ناصر عليوة الخميس أكتوبر 01, 2009 2:59 pm | |
| بقلم\ ناصر عليوة القول في البدء كانت غزة ,ومن يخالف, الحق له في القول المنتهي لغزة, وما بينهما من آفل, وعابري القوافل . خاصمني صديق يقيم مكرها في مدينة رام الله عندما بلغ عنادي القول أن من يحكم غزة يملك مقود القضية الفلسطينية .وعندما اشتد النقاش لينتهي بسؤال الجدي , حتى لو كان خالد مشعل من دمشق .قلت له نعم حتى لو خالد مشعل من موسكو, وانقطع هنا الكلام وكذلك حبل الود والوصل , مع الأسف , وبقي هو مكرها في رام الله .وبقيت أنا مجبرا على غزة ولكل منا عزاؤه , ولكلانا سلواه. وما بين العزاء والسلوى هبت على غزة رياح من جهات الأرض الثلاثة ( وليس الأربعة) باعتبار أن غرب البحر محايد , تفاعلت مكوناتها الرئيسية وإطرافها وهوامشها مع الحرب, والقمع والتهريب والجوع والموت وبعضا من العشق الذي لا يخلوا من مسحه أمل, برزت ظواهر واختفت أخرى وانكسرت قيم واندثرت أخلاق , وتزاوج المر مع المالح وتلا قح الصاعدون الجدد على سلم السياسة مع القادمين من الجند والعسكر ,فكان الفطر في غزة يتولد جراء صعقة برق ,فانفجرت الأرض بكائنات غامضة, لا نعرف كنة رموزها .تلك هي نخب غزة التي ولدت كما يخالفني احد الأصدقاء .ليس من صعق البرق وهدير الرعد , بل من زواج غير شرعي ما بين البحر والصحراء ,ولن أجادل بالاختلاف والجزم, فلكل منا نواميسه. في التعقيدات اللا مرئية , عبر تجربة الاختمار التاريخية للقوانين الناظمة لبروز النخب واندثارها في ارض غزة , كان الخارج ( الأجنبي - العربي –المسلم) هو من يعوم النخب , ويصنع لها سيقان من خشب ورطب , يحرقها متى شاء أو يصنع منها كعك ما بعد الصوم . وعليه فتاريخ النخب في غزة ما ندر أن يكون بفعل عوامل ذاتية محضة ,أو جهد تراكمي متواصل , والعيب باختصار غياب المدينة بكل تقاليدها وأدوارها وأدواتها التراكمية . فلا احد من النخب يعمر في غزة أكثر من عقد ونيّيف , ثم يندثر أو يهمش. لماذا غابة المدينة؟؟ كثر من الأسباب هي , ولكن في عمق جوهرها إن سكانها في اغلبهم لا ينتمون إليها .فهم قادمون أو عابرون على جلدها ,ينتمون إلى جغرافيا أخرى وحنين آخر ,وذاكرة منقولة . إنها أخلاق العابرون أيا كانت لون حقائبهم. والأمثلة كثيرة في التاريخ الغزي. لكنني استعين بأقربها .وأكثرها اخضرارا بالذاكرة والتجربة . إنها تجربة الراحل ياسر عرفات في غزة ومع غزة, هذا النموذج الذي يؤرخ له باعتباره نموذجا وطنيا ( فلا هو عثماني ولا بريطاني ولا مصري ولا إسرائيلي) انه التجربة الوطنية الأولى في الحكم وان كان حكم ذاتيا . لقد مر الراحل عرفات على غزة وغادرها, دون أن يعلم سرها أو سبرها ,ولو تأمل كنها لما انتهى تلك النهاية الغامضة , اقله كان موته واضحا . لقد اعتاد الراحل عرفات دوما أن يهشم وجه المدن ويرحل , فعلى مدار عقد من الزمن لن يؤسس معلما هاما يذكر له في غزة .وجل ما فعله أسس لطبقة فاسدة متحكمة في حريات العباد وأرزاقهم وكانت غزة بالنسبة لهم منهبة ,وكانوا هم النهابه ,فسرعان ما حملوا كل شيء يحمل واختفوا بعواصم الجوار وما بعدها. ماذا تبقى من ياسر عرفات في غزة؟ قصورا للثقافة؟ دور للأوبرا؟ مسارح؟ سينما؟ حدائق عامة؟ . المعذرة فالحكم هنا لا ينبع من الشواهد والأوابد الغائبة ,عن حقبة الراحل عرفات وقد نغفر له بعضا من غيابها . لكن الإثم الأكبر كان تهشيم نسيج المدينة الاجتماعي, وتحطيم رموزها الوطنية , ولنا في تجربة الراحل الدكتور حيدر عبد الشافي نموذجا نقيس عليه .فقد رحل وهو قابضا على أمانة المدينة بيده اليسرى كانت الأخلاق وبيده اليمنى كان النظام . لقد استو لد الراحل عرفات فئات الهامش ونفخ في صورها ليزيح طبقة المركز المدني فكان هذا الهشيم. فما حال غزة اليوم ؟ غزة اليوم تحكم بهامش الهامش ,وأطراف الأطراف والحواشي وما لمت . فكيف سيكون حال نخبها ورموزها السياسية والاجتماعية وقد أصبحت المدينة هلامية , لا شيء يتعين في أحشائها , مدينة بلا ملامح سوى وجوه الجند , ومقر وكالة الغوث( الاونروا) .على هذان الملمحان تتوزع بحكم الضرورة نخب زمن الغفوة التاريخية في غزة , وتتزاحم فيما بينها وعلى ما بينها من أجندات العواصم المحيطة والبعيدة بمصالحها وأدوارها المتقاطعة تارة والمتعاكسة أخرى . نخب الغفوة على تواضعها وهلاميتها لها الحق في الوجود, وككل الكائنات الاجتماعية تتطور من الحالة الهلامية إلى الحالة الفقرية والثديية ...الخ. وكي تصبح هذه النخب كائنا له دوره الاجتماعي – السياسي- الثقافي – الاقتصادي وغيره من الأدوار ولها مصالحها ما صغر منها ( تنسيق عملية سفر) وما كبر من طموح لبناء حزب سياسي وما بينهما . هذه النخب عليها أن تراعي العديد من الشروط حتى تكون فاعلة في قادم الأيام . عليها أولا أن تبلور حالة وعيها باعتبارها وجودا متعين ومتحقق في ذاته , وضمن شرطها الوجودي الخاص بها ,كحامل لكينونة مدنية متحدد بعوامل نموها المستقبلية في نسبيتها . ثانيا عليها أن تعي القوانين الناظمة للعلاقة بين النخبة والسلطة أيا كانت ( سلطة الجند أو سلطة المال أو سلطة العواصم) في شرطها التعادلي المتوازن نسبيا والذي يحفظ لها حالة الديمومة والوجود الفاعل . ثالثا على النخب بناء منظومات اتصال تفاعلية مع مختلف دوائر الفعل الاجتماعي المحيطة بها, والحذر كل الحذر من فقدان التواصل مع مختلف مراكز القوة الاجتماعية . رابعا على نخب غزة أن تدرك الفرق بين الطارئ والمستدام على صعيد الدور والوظيفة . خامسا على نخب غزة أن تكف عن قشرية التمايز وعدم التقوقع في دوائر اجتماعية ضيقة ذات طبيعة عنصرية تثير الضغينة وتخفي بعض من نقاط العجز. سادسا على نخب غزة تمدين ذاتها بكل موجبات وضرورات التمدن إن أرادت أن تحكم في غزة وإلا لن تكون سوى نبات الفطر الذي نحب وننتظره بعد تآخي صعقة البرق وهدير الرعد وهذا ما لا نرغب أن تكون عليه.
| |
|