انتقلت على ما يبدو الأصوات الغاضبة وتحديدا داخل المؤسسة العسكرية في دولة قطر من مرحلة الرصد والمتابعة والحديث في المجالس المغلقة، إلى مرحلة الفعل، وتحديدا القيام بانقلاب عسكري تم تنفيذه يوم الخميس الماضي ولم يكتب له النجاح، اعتقل على أثره 30 ضابطا من القوات المسلحة القطرية، خمسة منهم من الحرس الأميري الخاص، وتم وضع 16 شخصية من شيوخ آل ثاني تحت الإقامة الجبرية.
الشيخ خليفة بن حمد ال ثاني
الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني
قاعدة العيديد الجوية
الانقلاب العسكري في المشيخة الخليجية، لم يكن وليد اللحظة، إنما جاء نتيجة تراكمات بدأت منذ الانقلاب الأول عام 1996، بعيد انقلاب الأمير الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الأبيض على والده، وحكم على منفذيه بالسجن مدى الحياة.
وبحسب معلومات من مصادر شديدة الاطلاع داخل البيت القطري، فان هناك غضباَ عاما داخل أروقة المؤسسة العسكرية والأسرة الحاكمة، أجبرت الشيخ حمد بن خليفة على الاجتماع إلى شيوخ آل ثاني لوضعهم في صورة المحاولة الانقلابية، محذرا من انقسام الأسرة المالكة، وكلف الأمير سكرتيره الشخصي سعد الرميحي بمتابعة شؤون وزارتي الداخلية والدفاع، والتنسيق بينها وبين الديوان الأميري.
غضب المؤسسة العسكرية وبعض شيوخ آل ثاني، جاء، بحسب المصادر، بسبب وجود القواعد العسكرية الأجنبية، وتحويل البلاد إلى محمية أمريكية، وإستخدام الأراضي القطرية للتعدي على سيادة دول عربية، وما زاد الأمور اشتعالا، سياسة التقارب سريع الوتيرة، التي يتبعها الشيخ حمد بن خليفة مع 'إسرائيل'، والعلاقة الحميمة مع الدولة الصهيونية والزيارات المتبادلة السرية التي يقوم بها الجانبان (القطري- الصهيوني) وبعده عن الدول الشقيقة وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، وشعور المؤسسة العسكرية بالامتهان بسبب تزويد القوات الإسرائيلية أثناء العدوان على غزة بقنابل الفسفور والدايم، التي أحرقت الأخضر واليابس في القطاع، من القواعد الأميركية الموجودة في المشيخة.
ونقلت تلك المصادر التي تحدثت بتكتم وحرص شديد على عدم كشف هويتها، وجود شريط فيديو، يتداول على نطاق ضيق داخل المؤسسة العسكرية والأسرة الحاكمة، يوثق عملية تحميل الطائرات الأمريكية من قواعدها في قطر بقنابل الفسفور البيض والدايم والذخيرة والمعدات العسكرية وإنشاء جسر جوي بين الدوحة وتل أبيب مرورا بدولة ثالثة، خلال العدوان الأخير على قطاع غزة.
شريط الفيديو تم تسجيله من ضباط قطريين كبار، بحسب المصدر، وتم تسريبه إلى بعض زعامات العائلة الحاكمة، ما أوجد حالة غليان ورفض للدور المزدوج والمتناقض الذي تقوم به دولة قطر في علاقتها العلنية الداعمة لفلسطينيين من جهة، عبر ذراعها الإعلامي، وتزويد جلادها الصهيوني بأدوات قتلهم.
وبحسب المصادر، فإن إيغال قناة 'الجزيرة' الذراع القوي للشيخ حمد بن خليفة، في افتعال الخصومة السياسية مع كثير من الدول العربية، من الأسباب الموجبة لهذا الإنقلاب، مما ابعد قطر عن محيطها العربي، وبالتالي تركها كالشاة الشاردة، التي من السهل اصطيادها، بحسب دبلوماسي قطري، مقرب من الاسرة الحاكمة، التقت به 'الحقيقة الدولية'.
هذا الشعور، بحسب المصدر، دعا القيادات العسكرية إلى التحرك، ومحاولة تنصيب أميرا جديدا للبلاد، أكثر حرصا- بنظرهم - على المصالح العليا للبلاد.
وأضاف المصدر، بأن ما يتعرض له (الأمير الوالد) من حالة إمتهان من قبل إبنه الذي إنقلب عليه بطريقة غير شرعية وتتناقض مع عادات وتقاليد البلاد والأسرة الحاكمة، تجعل أمير قطر غير مأمون الجانب في تعامله مع باقي أفراد الأسرة الحاكمة.
محاولة الانقلاب الأخيرة، دفعت الشيخ حمد بن خليفة للبحث عن صيغ لإعادة تجميع خيوط القرار بيده والحد من صلاحيات أقطاب كبار في هرمية القيادة القطرية، منهم الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية، ويقال أن من وراء المحاولة الانقلابية الفاشلة احد أقطاب الأسرة المالكة، وانه اصدر الأوامر لقيادات عسكرية بالتمرد، ورفض الأوامر، واستجابت هذه القيادات، مع اختلاف الغايات.
وفي الجانب الآخر عقد أفراد كبار الأسرة الحاكمة على مدى الأسبوعين الماضيين اجتماعات خارجية مهمة في بريطانيا وسويسرا وفرنسا، لتوحيد أجنحتهم المتصارعة بصمت لتحدي أي خطوات عليا لتقليم أظافرهم سياسيًا، وإعادة تحجيم مراكز القوى الداخلية، في ظل تصاعد نجم الشيخ الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، واحتفاظه بمفاتيح السياسة الخارجية وتزايد نفوذه محليا خلال السنوات القليلة الماضية، وإتباعه خطاً سياسيا يورد البلاد، بحسبهم، موارد الهلاك.
حتى اللحظة، لا زال من الصعب الحكم على نجاح خطوة الشيخ حمد بن خليفة الاستباقية، وهل تنجح هذه الاعتقالات في تهدئة الأمور واستقرار السلطة للشيخ حمد، أو إثارة المزيد من الغضب والقلاقل وانتقالها من النخبة إلى الشارع القطري.