[b]بسم الله الرحمن الرحيمأيتها الأخوات.. أيها الإخوةالضيوف الكرام،أتوجه بأطيب التحيات لكم جميعاً، ولشعبنا الفلسطيني في كل مكان، ونحن نعقد المؤتمر السادس لحركة فتح. هنا في هذه المدينة المقدسة، بيت لحم مهد سيدنا المسيح عليه السلام، وهمزة الوصل الروحي والحضاري والتاريخي، بين عاصمتنا الأبدية القدس ومستقر الأنبياء في خليل الرحمن.وأتوجه بالتحية لضيوفنا الأعزاء من الأشقاء والأصدقاء الذين يحضرون مؤتمرنا هذا، فمشاركتهم هي التعبير عن تضامن أحزابهم وحركاتهم وبلدانهم وشعوبهم مع حركة ' فتح ' وما تمثله، ومع النضال العادل للشعب الفلسطيني، وأهدافه في الحرية والاستقلال، ومع منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا.أيتها الأخوات أيها الأخوة،ها هو شمل حركتنا يلتئم، بعد سنوات طويلة مرت على انعقاد مؤتمرنا الخامس، شهدت العديد من الأحداث والتحديات والمخاطر، تم تجاوزها بتوفيق من الله عز وجل. وبفضل الإرادة والتصميم استطاعت 'فتح' قيادة المشروع الوطني من البداية بجدارة، لتواصل دورها تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية حتى نؤسس دولتنا الفلسطينية المستقلة.عقود من الزمن مرت منذ الانطلاقة، قدمنا خلالها آلاف الشهداء ومئات الألوف من الجرحى والمعاقين والأسرى، على درب الحرية والاستقلال.إن مجرد صمود الحركة الوطنية الفلسطينية واستمرارها بعد كل ما أحاط بها من مخاطر ومؤامرات شطب وتصفية وحروب هو شيء أقرب إلى المعجزة، غير أنه بعدالة قضيتنا وبتضحيات شعبنا وبوعي قيادتنا تمكنا من الثبات على أهدافنا وكفاحنا. ونحن اليوم على يقين من حتمية الانتصار. لأن من ثار وصمد وبنى وأبدع، رغم دوائر النار المحيطة به في كل يوم من أيام حياته، هو جدير بالنصر، حتى لو بدا هذا النصر في ساعات الشدة بعيداً.وإذا كنا نعيش اليوم واحدا من أهم انجازات كفاحنا الصعب، بتواجدنا هنا على أرض وطننا فلسطين، لا بد وأن نستذكر معا بتحليل موضوعي، تلك الفترة التي فكرت فيها الطليعة الأولى من هذا الشعب في إطلاق الشرارة الأولى للثورة – ثم اتخذت قرارها التاريخي بذلك، الأمر الذي كان في حينه أشبه بمجازفة تقف بين حدي الموت والحياة.فمنذ أن واجه شعبنا النكبة وهُجر من أرض وطنه، وأجبر على اللجوء إلى ما تبقى منه، أو إلى دول الجوار، أو الدول البعيدة. كان جيلنا دائم التفكير في إيجاد الإجابة الصحيحة على السؤال الأهم والأصعب، ما العمل؟ وكانت الإجابة بأن انتمى البعض من هذا الجيل إلى تشكيلات عربية قائمة أو قامت في سياق التعامل السياسي أو الاستثمار الحزبي للنكبة، وانضم البعض إلى تشكيلات دينية، وربط البعض مصيره بما يمكن أن يفعل أولو الأمر من الحكام والنظم العربية.فقد كان التمزق في زمن البحث عن الخيار، يجسد كارثة أخرى فوق كارثة فقدان الوطن والهوية. وأوشكت قضية العصر، وربما كل العصور، أن تتلاشى في خضم بحر عربي متلاطم الأمواج، يئن تحت عجز مطبق، وفوضى في التفكير، والافتقار إلى اتخاذ القرار المطلوب لنقطة بداية، تسمح لنا بوضع أقدامنا على الطريق المفضي إلى استعادة الهوية والحقوق.كان الفلسطينيون رغم توزع اجتهاداتهم وخياراتهم يتحِدون في حلم الوطن، والحنين إليه، والعودة إلى ربوعه، غير أن هذا التوزع أوشك أن يجعل الحالة الفلسطينية بإجمالها ملحقاً ضعيفاً بجسم أكثر ضعفاً، هو الجسم العربي المثخن بالانقسامات.حيث كان من نتائج النكبة أن قامت عدة ثورات وانقلابات في عدد من الدول العربية، يتضمن بيانها الأول باستمرار شعار تحرير فلسطين، ثم لا يلبث النظام الجديد أن ينشغل بهمومه الإقليمية والداخلية، حتى كادت قضيتنا أن تنسى تماما، أو أن تعتبر مجرد قضية لاجئين. الأمر الذي دفع الطليعة المؤسسة، للتنادي من فلسطين ومن المنافي العربية والعالمية، لأخذ زمام المبادرة، وإطلاق ثورة شعبية تقول للعالم: شعب فلسطين لم يمت، وها هي فتح حركة تحرره الوطني واستقلاله تطلق الرصاصة الأولى. أما أشقاؤنا العرب، فهم المحيط الواسع الذي سيوفر الدعم والإسناد والمشاركة، وليس البديل للعنصر الفلسطيني، ودوره الحتمي في المعادلة. لأننا كنا ندرك ونحن نبدأ الثورة، أننا جزء من أمتنا العربية من محيطها إلى خليجها، وان قيامنا بواجبنا لا يعفي أشقاءنا من مسئولياتهم تجاه صراع يمسهم أيضا. فشعار استقلالية القرار الوطني، كان هدفه عدم الانجرار إلى الصراعات ما بين الأنظمة، بخاصة وان قرارنا كان عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول العربية. وحين أمكن للطليعة الفتحاوية، التي كانت تلتقي في مناخات سرية محاطة بالشكوك والهواجس والتساؤلات، أن تجمع ما يصلح لنقطة البداية طَرَح السؤال الكبير نفسه كيف ومتى؟الجواب على كيف كان المقاومة بالكفاح المسلح كضرورة وخيار. إلا أن الاختلاف كان وبأقصى درجات الحدة، حول متى.؟وكانت حجة الذين يقولون الآن قبل الغد، تنطلق من الخوف على الظاهرة الفلسطينية من التبدد في خضم عواصف الاختلاف العربي، وفوضى الخيارات ومشاعر اليأس من الحاضر والمستقبل، إلى جانب اعتبارات كثيرة.أما الذين يدعون إلى التريث، فقد كانت حجتهم الانتظار، إلى حين تأمين جميع ضمانات ومقومات النجاح، وكان ذلك مستحيلاً بالطبع. وإنني إذ أتذكر اليوم الأحداث التي مرت علينا عامي 1963 – 1964، فإنني أعتز اعتزازا كبيرا بالقرار الذي أعتبره من أهم القرارات في حياتي، وهو أنني كنت إلى جانب أخي ورفيق دربي الشهيد ياسر عرفات، أصحاب الصوتين المرجحين لقرار انطلاقة فتح – انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة في الفاتح من كانون الثاني 1965.وعندما نستذكر تاريخ الانطلاقة والحركة الوطنية الفلسطينية فكيف لا نبدأ بالحديث عن ياسر عرفات المؤسس والقائد الرمز. ونحن اليوم نجتمع في ذكرى ميلاده. وتحت راية اسمه الكبير. ياسر عرفات 'أبو عمار' كانت فلسطين ساكنة فيه ومرادفة لروحه وممتزجة بدمه وسابحة في فكره وتطلعاته. ياسر عرفات، الذي كان من الميلاد حتى الممات، ظاهرة قلما يجود الزمان بمثلها. ففي كل مكان حل فيه، كان يحمل فلسطين في قلبه وبريق عينيه اللافت. ولا غرابة في أن قرار الانطلاقة الذي اتخذ نهاية العام 64، أخذ أبو عمار على عاتقه مهمة تنفيذه.لم تتأخر الولادة كثيراً ففي الأول من كانون الثاني عام 65 نجحت أول عملية عسكرية، كانت الإشارة الأولى لولادة - الفلسطيني الجديد – الذي قرر أن يتمرد على واقع الظلم والنكبة، وعلى صفة اللاجئ بلا وطن، لتتحول المخيمات إلى قاعدة أساسية للثورة الفلسطينية، وإلى رمز للإرادة الفلسطينية وإلى مستنبت للبطولة والمقاومة والبناء والإبداع.لقد قالت فتح، من قلب المخيم، والقرية، والمدينة، ومضرب العشيرة، وبأعلى الصوت وبأصدق السلوك والعمل، المخيم لا يصلح وطناً، واللجوء لن يكون قدراً، وستعود فلسطين إلى الجغرافيا صرحا، كما هي صرح في التاريخ.ونحن على بداية التاريخ الذي سيصلنا إلى الدولة المستقلة، بعقدنا المؤتمر على أرض الوطن.يا أبناء وبنات فتح، يا أبناء وبنات فلسطين،منذ الانطلاقة، وحتى أيامنا هذه والشكوك والدسائس والإشاعات تبث حولنا، والاتهامات توجه إلينا، فغالبا ما كنا نسمع عبارات – إنكم تورطون الدول العربية في حرب لم يأت زمانها، ولم يتحدد مكانها.في البدايات استشهد من استشهد، تارة بفعل فتنة، وتارة أخرى على ساحة المواجهة مع إسرائيل، إلا إننا صمدنا، ولم نيأس فزاد التفاف الشعب الفلسطيني حول حركتنا وثورتنا، ولم يجنِ المتآمرون على فتح والمشككون بها سوى الفشل والخذلان.ويحق لياسر عرفات أن نسجل له، أنه عنوان وقائد تلك الحقبة الهامة من حياته وحياتنا، حقبة التأسيس الأولى، كان رحمه الله ينتقل من فضاء إلى فضاء، مخترقاً الحدود والسدود، يعرف ما يريد وكيف يصل إلى ما يريد، والكثيرون لا يعرفون أن أبو عمار دخل الأراضي الفلسطينية مرتين وخرج منها بسلام.وإن كنا نعطي لأبي عمار كل هذه المساحة من الحديث وتسجيل المآثر، فلأنه في حياته واستشهاده كان الممثل الشرعي لنا جميعاً، كان فيه صبر أبو جهاد، ودأبه على العمل بصمت ودون توقف. وكان فيه قوة شخصية أبو إياد، ومواقفه الشجاعة، وقدرته على منح فتح القوة المعنوية اللازمة في الشدائد، وكذلك نسجه للتحالفات الضرورية لمصلحة القضية ببراعة. وفيه من أبو يوسف النجار، ذلك الرجل المتزن الوقور الذي أعطى الكثير دون أن ينتبه أو يفكر في إعلام صاخب أو ترويج للدور.وفيه من المثقف الكبير والمنظر العميق والمتحدث البارع خالد الحسن ' ابو السعيد' الذي اضفى على فتح رونقا فكريا وثقافيا وسياسيا راقيا.وفيه من هايل عبد الحميد ' ابو الهول' رجل الأمن، وحارس الطيبة والمحبة في فتح والانضباط والدأب المتواصل.وفيه من ابو صبري التفرغ المطلق للفكرة والعمل المواظب من اجل تجسيدها على ارض الواقع. وفيه من كمال عدوان، الذي بشر بفكر جديد، وتجدد لا يتوقف، غير انه قضى في أول الطريق، كنا نسميه معمل الأفكار الذي دائما يعمل ويفكر.وفيه من ابنه وتلميذه ماجد أبو شرار الذي كان يُستقبل في منتديات العالم كوعد حضاري يصغي إليه القريب والبعيد.وفيه من سعد صايل، أبو الوليد، العسكرية الصارمة والفعالة، الذي بنى لعسكريتنا مجداً مهنياً، وصمد في كل الحروب وتميز.وفيه من أبو المنذر، التقوى والسلوك الحميد، والفتحاوية الصافية والعمل السري الفعال والمؤثر. وفيه من فيصل الحسيني رائحة وروح القدس، وقوة الحركة والنشاط والانتشار، والعيش مع الناس في الحلوة والمرة.وفيه من عبد الفتاح حمود، الذي أخذ عنه أبو عمار صفة الشهيد الحي، فقد كان يقول عنه