فتحاوي عريف
عدد المساهمات : 186 تاريخ التسجيل : 10/08/2009
| موضوع: نحن وغولدستون الأحد أكتوبر 04, 2009 2:55 am | |
| الكاتب المحامي شوقي العيسه بهدوء وبعيدا عن الانفعال وبقليل من العاطفة الضرورية وكثيرا من العقل، يجب الحديث عن ما حصل في جنيف خلال اجتماعات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ، وخاصة طلب تأجيل اتخاذ القرار بشأنه، يمكنني من البداية القول مستخدما تشبيها مجازيا، إن قادة فلسطين الرسميين يتصرفون في حلبة السياسة الدولية كإنسان أمي في قاعة نقاش لطلبة الدكتوراه .
أي موقف في العمل السياسي هو بضاعة لها ثمن تباع وتشترى به، والبائع يأخذ بعين الاعتبار أولا مدى حاجة المشتري ثم مدى حاجته هو للثمن وكيف سيستخدمه، وفي السياسة لا قيمة للوعود والنوايا والثقة وال “وديعة". في تاريخنا نتذكر نحن ولا ادري إذا كان القادة يتذكرون عندما قام الزعماء العرب عام 1939 بالطلب من الفلسطينيين " بناء على وعود صديقتنا بريطانيا " إنهاء الثورة والإضراب ، ووافق زعماء فلسطين في ذلك الوقت والنتيجة أن بريطانيا رمت وعدها في القمامة وذقنا نحن حنظل النكبة ، أما في عام 1999 عندما قررت الدول الأعضاء في معاهدات جنيف الاجتماع للبحث في رفض إسرائيل (وهي دولة عضو في المعاهدات) الالتزام بتطبيقها ، قام الزعماء الفلسطينيين هذه المرة بالطلب من الدول الأعضاء " بناء على وعود صديقتنا أمريكا" هذه المرة رفع الاجتماع دون البحث في موضوعه ودون اتخاذ أي قرار ، والنتيجة رمت أمريكا بوعودها في القمامة وذقنا نحن حنظل مخيم جنين والاجتياح وقتل الرئيس عرفات ، وفي عام 2009 ( لا ادري إن كانت المشكلة في رقم 9 دائما ) عندما اجتمع مجلس حقوق الإنسان لإقرار تقرير حول جرائم ارتكبت خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، قام زعماء فلسطين " بناء على التشاور مع أمريكا " بالطلب من الدول الأعضاء رفع الاجتماع وتأجيل البحث في موضوعه.
اجتماع عام 99 الذي رفع بوعد العودة لعقده، لا نزال ننتظر انعقاده، واجتماع 2009 لا ادري إلى متى سننتظر إعادة انعقاده لاتخاذ قرارات، وما الذي سيختلف في آذار القادم.
أنا لست ضد الصفقات السياسية من حيث المبدأ ، فهكذا هي السياسة كما يقال (فن الممكن) ، شريطة أن تكون هناك فائدة في كل صفقة ، وعندما تكون بصدد عقد صفقة مع طرف سبق وعقدت معه عدة صفقات ، فانك تطلب في البداية استحقاقات الصفقات السابقة و"تسكر الحساب فيها " لتبدأ بصفقة جديدة ، في حالتنا كل الصفقات السابقة عادت علينا بالدمار ، ويبدو أننا في انسياقنا مع موضة التجمل لنلقى القبول من دول العالم "المتحضر" والمعولم وليقال عنا ليبراليين وحضاريين نسينا المثل الشعبي العربي القائل " اللي بجرب مجرب عقله مخرب" أو "المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين " .
المقلق عند استعادة الأحداث ، أننا نعرف انه في أعوام التسعينيات وخلال كل جولات ومعارك التفاوض وعندما كان الرئيس الراحل عرفات لا يهتم بالتفاصيل وتضمين الصياغات لمرجعيات قانونية وشرعية دولية ، كان الأخ أبو مازن (الرئيس الحالي) يهتم بذلك ويصر عليه ، فما الذي تغير .
والمقلق أكثر هو آليات عمل القيادة، فهل هناك دور للمطبخ السياسي الفلسطيني و للجنة التنفيذية ل م.ت.ف. في هكذا قرارات وهل لمركزية فتح دور في ذلك ، يبدو لي لا، ومما يدل على ذلك في القضية الأخيرة هو التخبط الإعلامي و"استطقاع" عقولنا في التصريحات الصحفية للقادة ، ففي صباح يوم الحدث طل علينا السيد صائب عريقات مع قهوة الصباح من على شاشة الجزيرة ليقول أصلا إحنا مش أعضاء في المجلس ولا يحق لنا الطلب ولم نطلب ، وبعده بساعتين سمعنا الأخ إبراهيم خريشة من على نفس الشاشة يشرح لنا أسباب الطلب بتأجيل اتخاذ القرار والذي جرى بالتشاور والتوافق حسب ما قال ( بالمناسبة أنا أكن الاحترام للصديق خريشة واقر بمهنيته وأخلاقه وقدراته ومواقفه التي نعرفها ) ولكنه دبلوماسي تنفيذي وليس صاحب قرار ويقوم بدوره المهني كسفير مثلما هم السفراء في كل مكان ، واعتقد أن مهاجمته وتحميله المسؤولية هو مجرد سخافة وعدم فهم للأحداث، ربما لو كنت مكانه لاستقلت ولكن هذا موضوع آخر. بعد ذلك وبمنتهى اللامبالاة بعقولنا ، نسمع الأخ أبو ردينة والأخ المالكي يعودون إلى القول إحنا مخصناش كان ذلك توافق عربي إسلامي أفريقي مع أمريكا والدول العظمى ، رغم أن ممثل الدول الإسلامية قالها بكل وضوح ، كان توافقا أمريكيا فلسطينيا ومجموعتنا وافقت عليه ، كما كان الأخ عبد الله عبد الله قد تحدث بنفس طريقة الأخ خريشه .
في كل الأحوال ودون الخوض أكثر في القال والقيل ، أنا مقتنع تماما أنها كانت صفقة فلسطينية أمريكية ، ومن المنطق الاقتناع بذلك في ظل الآمال التي تعقدها قيادتنا على الموقف الأمريكي "دون مبرر".
ما العمل الآن هل الاستمرار في الندب والبكاء أم العمل بطريقة ضبط الضرر وإدارته والاستمرار في محاولات العمل الصحيح.
بداية يجب تحديد الجهة التي تتحمل المسؤولية وأنا أصر أنها اللجنة التنفيذية ل م.ت.ف. ، كلجنة أولا وكل عضو فيها على حدة ثانيا ما دام يستمر في قبول دوره كشاهد ماشافش حاجة ، أليسوا هم أعلى هيئة قيادية فلسطينية مقررة ، أليسوا الممثل الشرعي الوحيد ، أليسوا بصفاتهم هذه يتحملون مسؤولية كل قرارات من هم تابعين لهم .
لماذا كانت هذه الصفقة خطأ وتشكل ضررا ؟
أولا: حتى لو اتفقنا مع نهج المفاوضات وفقط المفاوضات ، ماهي أسلحة هذا المفاوض وخاصة في ظل موازين قوى هي الاسوء بالنسبة له ، أليست صمود شعبه والقانون الدولي وقرارات الهيئات الدولية والمحاكم الدولية وتقارير مثل تقرير غولدستون . وحركات الدعم والمناصرة وحقوق الإنسان والأحزاب الصديقة ودول الجنوب ، وبرامج مقاطعة إسرائيل ، إذا كانت هذه كلها تحاول إمدادك بسلاح تستخدمه ، أتقول لا شكرا يكفيني وعود المعسكر المعادي ، وهنا لدينا كفلسطينيين مثل آخر " اجو يعاونوه في حفر قبر أبوه اخذ الفأس وشرد" . حتى في حياة الأفراد اليومية في أي مجتمع مهما كان ظالما تجد الضحية يلجأ للقانون والمحاكم والجاني يحاول كل جهده الابتعاد عنها .
ثانيا: من الناحية القانونية ، لو كنا نجحنا في عام 99 بعقد اجتماع دول معاهدة جنيف واتخذت قرارات ضد إسرائيل لعدم التزامها ، لكان لدينا الآن أسلحة يستخدمها المفاوض وتستخدمها جمعيات حقوق الإنسان أفضل بألف مرة ، والآن لو أصبح تقرير غولدستون وثيقة رسمية متبناة من مجلس تابع للأمم المتحدة وهذا كان محسوما لو جرى التصويت ، ألا يصبح سلاحا حادا بأيدينا . نستخدمه جميعا في التفاوض وفي المعارك القانونية .
ثالثا: التكتيك في مسالة الفيتو ، هل تعتقدون انه بعد ستة أشهر ومهما حصل سيتغير موقف أمريكا من استخدام الفيتو لحماية إسرائيل ، اعتقد انه لو تم تنصيب حتى كارتر على رأس السلطة في أمريكا قبل آذار القادم ، فانه سيستخدم الفيتو لحماية إسرائيل من محاكم جرائم الحرب . بالنسبة لأمريكا حماية إسرائيل واستخدام إسرائيل في السياسة الدولية من الثوابت الإستراتيجية الأمريكية ، التي لا تتغير ، إلا بتغير جذري في المصالح الأمريكية في المنطقة وهذا ليس في المنظور . ثم ألا تذكرون أن الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن في موضوع الجدار هو الذي أفسح لنا المجال من ناحية قانونية للحصول على قرار من الجمعية العمومية بالتوجه لمحكمة لاهاي .
رابعا: الحديث عن استمالة أوروبا وتصويتها ، دول أوروبا وان بتفاوت أثبتت المرة تلو المرة أنها أشهر عاهرة على حلبة السياسة الدولية وخاصة في قضايا الشرق الأوسط ، ثم ما أهمية عدد الأصوات في قرار من هذا النوع ، عندما قررت الجمعية العمومية التوجه لمحكمة لاهاي في موضوع الجدار اتخذ القرار بأغلبية بسيطة ، وقتها صوتت 90 دولة فقط معنا في حين امتنعت 74 دولة عن التصويت و19 دولة لم تصوت و8 دول صوتت ضدنا ، أي أن الدول التي صوتت ضد والتي امتنعت عن التصويت والتي لم تصوت كانت 101 دولة ، ولكن ما أهمية ذلك الآن بعد أن حصلنا من المحكمة على ما نريد بل وأكثر، ولكن من المهم جدا جدا الانتباه إلى ما حصل بعد قرار المحكمة ، فحين خضع للتصويت في نفس الهيئة (الجمعية العمومية) من اجل تبنيه ، صوت معنا 165 دولة ولم يصوت ضدنا سوى 6 وامتنع عن التصويت فقط 15 ، مما يدلل بقوة على أهمية إحراج الدول من خلال القانون والمحاكم ، تلك الدول التي يحسب زعماؤها حسابا للرأي العام لديهم وكيف سيبرروا أنفسهم أمامه إذا صوتوا ضد القانون الدولي . وهنا أتذكر جيدا جملة وردت في قرار محكمة لاهاي وكأن القضاة كانوا من خلالها يقدمون نصيحة للقادة الفلسطينيين وهي "إن اتخاذ هكذا قرار لا يؤثر على مفاوضات السلام" .
المهم الآن أن ما جرى يجب أن لا يؤثر على استمرار الجهود التي تقوم بها مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية وغير الفلسطينية لاستخدام تقرير غولدستون بكل طريقة يمكن استخدامه فيها ، وبيان منظمة امنستي اليوم يبشر بالخير بان هذه المؤسسات مستمرة في عملها .
أما فيما يتعلق بنا نحن الفلسطينيين فاعتقد أن مشكلتنا الرئيسية هي آليات اتخاذ القرارات ومأسسة العمل ووضع اللجنة التنفيذية أمام مسؤولياتها ومطالبتها كلجنة وأعضاء باتخاذ موقف معلن مما حصل ، على الأقل تحسبا مما هو آت .
| |
|