خلف الحربي
قبل نصف قرن كانت ماليزيا بلدا متخلفا وفقيرا وممزقا بينما كانت أفغانستان بلدا متحضرا وثريا ومتماسكا، وقد عرف الشعبان الماليزي والأفغاني بتدينهما الشديد، ولكن الدين لم يمنع الماليزيين من طلب العلم والانفتاح على العالم وتوحيد الصفوف، بينما أستسلم الأفغان لدعوات الانغلاق والتكفير فتفرقت صفوفهم وأصبحوا مطمعا للغزاة وملاذا للخارجين على القانون، واليوم لا يمكن مقارنة ماليزيا بأفغانستان... إنها المسافة بين النور والظلام!.
و في غمرة احتفالات الوطن بافتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية ظهرت بعض الدعوات المحملة بغبار تورا بورا للتشويش على هذا الإنجاز الوطني العملاق من خلال تضخيم قضية الاختلاط وتصوير الأمر على غير حقيقته، ومن ذلك حديث الشيخ سعد الشثري عضو هيئة كبار العلماء ورغم أن أصحاب هذا المنطق العجيب يعرفون أن الاختلاط موجود بحكم الضرورة في المطارات والطائرات وفي الأسواق وفي كليات الطب والمستشفيات وفي شركة أرامكو وبعض المؤسسات الأخرى، إلا أنهم حاولوا تظليل العامة من خلال تقديم صورة مشوهة لهذا الصرح العلمي الذي يسعى القائمون عليه لاستعادة الدور الرائد للمسلمين في العلوم وصناعة المعرفة، بعد أن فقد العلماء المسلمون القدرة على المبادرة وأصبحت مبتكراتهم محصورة في زيجات الفريند والويك أند!.
هكذا تقاس الأمور عند بعض شيوخ المسيار والمسفار.. حيث يقبلون بالاختلاط بين الجنسين في الأسواق والمجمعات التجارية بحكم الضرورة ويرفضونه في معمل الأبحاث لأنهم يرون أن العلم غير ضروري!، ويبيحون الاختلاط في المستشفى ويتخوفون منه في المختبر العلمي لأن التفاعلات الكيميائية قد تتداخل مع الأفكار الإقصائية فتنفجر الأنابيب ويندلق حمض الكبريتيك على الجلابيب!، ويتغاضون عن الاختلاط في الطائرة بحكم أنه أمر واقع ولكنهم يهولون الأمر حين يتعلق الأمر باجتماع علمي بين أشخاص لا تسمح لهم مكانتهم العلمية ولا همومهم المعرفية بالنظر من تلك الزاوية الضيقة التي يروج لها رواد نظرية الشك!.
إلى متى تستمر المزايدة على الإيمان؟ وما هي المصلحة الوطنية والدينية في تقديم صورة مشوهة ومبالغ فيها عن هذا الصرح العلمي الرائد الذي أشادت به العديد من وسائل الإعلام العربية والعالمية باعتباره واحدا من أهم الإنجازات العلمية التي تم تحقيقها في الوطن العربي خلال السنوات الأخيرة؟ وهل ثمة بلد في هذا العالم حريص على تنفيذ تعاليم الدين الحنيف أكثر من هذا البلد؟.
نحن نعرف أن بعض المنغلقين فكريا لا يروق لهم إلا نموذج إمارة طالبان المنقرضة، ولو كان الأمر بيدهم لغيروا رحلات الطيران بحيث تتكون كل رحلة من طائرتين: الأولى للرجال.. والثانية مظللة النوافذ للنساء!، ولكن هذه الخيارات غير معقولة ولا تتناسب مع عصرنا هذا ولا حتى مع عصور الإسلام الأولى، حيث لم يكن المسلمون الأوائل مصابون بهذه الفوبيا بل كانت المرأة شريكا أساسيا في الحضارة الإسلامية التي غيرت وجه العالم.