محمد المشرف العام
عدد المساهمات : 1001 تاريخ التسجيل : 23/07/2009 الموقع : alasaalah.ahlamontada.net
| موضوع: الجولة السابعة من حوارات القاهرة: المصالحة الوطنية ومسك الختام الإثنين سبتمبر 28, 2009 11:22 am | |
| الكاتب احمد يوسف
ما تزال جهة الوساطة المصرية تركب الصعب، وتتحرك في دبلوماسية نشطة بين دمشق ورام الله وربما غزة قريباً لتذليل أوجه الخلاف القائمة بين فتح وحماس، وبأمل تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية، وإنهاء حالة التشظي والقطيعة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث لا يختلف اثنان بأن عاقبة قضيتنا خسرى إذا ما استمرت عقارب الساعة تتحرك في الاتجاه الخطأ، وعكس حسابات الإستراتيجيا التي رسمناها لتحرير الوطن والخلاص من ربقة الغاصب المحتل.. ليبقى كلف الحزن والشجى يسكن الوجوه، وتغلب على حياتنا موشحة الألم وسيمفونية الغربة والغياب "بأي حالٍ عدت يا عيدُ".
لقد اجتهدت جهة الوساطة المصرية في تقديم رؤية تنهي الانقسام الفلسطيني، وتعيد الوضع الذي يحفظ وحدة الوطن، ويقطع الطريق أمام إسرائيل من استمرار العزف على وتر "مع أي الفريقين نتفاوض؟ حكومة رام الله أم حكومة غزة؟!"
وهذا يعني في المحصلة النهائية أن مشروع "حل الدولتين" بالشكل الذي تفهمه فتح أو حتى حماس أصبح مجرد أضغاث أحلام، لأن الاستيطان يزحف كالسرطان في كل اتجاه، ويأتي على كل ما يمكن اعتباره مقومات لدولتنا الفلسطينية الموعودة.
إن المتفائل ربما يستعصي عليه فهم ظاهرة الواقع القائم، ويقول لمن يطلب منه تفسيراً لما يجري: هذا أعقد مما يمكن أن يذهب إليه العقل، "وما نحن بتفسير الأحلام بعالمين".
أنا أفهم أن حركة حماس تريد للمصالحة أن تنجح ولها أدبيات داخلية تثبت ذلك، وطرف الوساطة المصرية ربما لمس مصداقية في هذا الاتجاه، والحركة أعلنت رؤيتها للمصالحة وقدمتها بشكل مكتوب والتاريخ سيشهد على ذلك، وبالتالي فإن سقف الرؤية التي تريدها حماس أصبح الآن "وديعة" لدى طرف الوساطة المصرية.. ويمكن القول كذلك إن حركة فتح عبرت عن رغبتها لإنهاء الانقسام واستعادة وحدة الشعب الفلسطيني، وبالتأكيد هي تريد قطع الطريق أمام إسرائيل للتهرب من استحقاقات أوسلو والعملية التفاوضية، التي استمرت أكثر من عقد ونصف العقد من الزمان.
ويبقى السؤال المشروع داخل الشارع الفلسطيني: إذا كان الطرفان يريدان إنهاء الانقسام، واستعادة الجغرافيا السياسية للوطن، فلماذا كل هذا التأخير والتعقيد والتسويف والمماحكات فيما شعبنا يعاني ويطفح دماً جرّاء الحصار والاحتلال؟!!
وإذا كانت مواقف الطرفين (فتح وحماس) هي متقاربة في الرؤية السياسية حول الدولة الفلسيطينية حتى وإن كانت في خطوطها العريضة، فلماذا كل هذا الإيغال في التفاصيل التي تشكل وكراً لشياطين الأرض لإفساد كل ما يمكن التراضي والتفاهم حوله؟
والتساؤل الذي يجر خلفه استفهامات لا تنتهي هو: لمن توجه أصابع الاتهام؟
هل حقاً أن من يلام هو فتح؟ أم هي حماس؟ أم هما الاثنان معاً؟ وإذا كان الأمر أنه لا هذا ولا ذاك، فأين هو موقع الوسيط المصري من كل هذا الملام؟
إن الحقيقة التي تجرحنا جميعاً هي أن كلانا (فتح وحماس) هو جزءٌ من المشكلة، كما أن كلانا هو جزءٌ من الحل، وهذا يوجب على أحبتنا في مصر العمل على إنهاء حالة "نزغ الشيطان" القائمة بيننا، وفرض حلِ تصالحي يخرج معه الجميع بالشعور بأنه حقق شيئاً مما يريد.. صحيحٌ أن كلانا لن يصل إلى كل ما يبغيه، ولكنه تقديراً للمصلحة الوطنية العليا قدم تنازلاً، وأخذ شيئاً على نفسه ليحمي مستقبل مشروعنا الوطني، والشعب الفلسطيني – بلاشك – سوف يقّدر لهذا الطرف أو ذاك هذا الموقف، ولن يفهمه على أنه جاء نتيجة لحالة ضعف وانكسار أمام الضغوطات الإقليمية والدولية.
الكرة الآن في ملعب مصر
إذا كان الطرفان الأساسيان في الخلاف وهما فتح وحماس قد ارتاحا لمصر، وسلّما لها حق قيادة مشروع الوساطة بينهما، فلماذا وبعد هذه الجلسات المتكررة للحوار على مساحة زمنية تجاوزت ستة أشهر لا تدفع مصر بقوة برؤية يتوافق عليها الطرفان، وتجد في الجامعة العربية ما يشكل رافعة لها تعمل على تثبيت "رؤية الحل"، واختيار المساق الذي ينهي حالة القطيعة والانقسام، باعتبار أن استمرار الوضع على ما هو عليه سيؤدي إلى كارثة وطنية، وإذهاب ريح هذا الشعب وإضعاف شوكته، وعندئذ ستجد المقاومة أن ظهرها مكشوف، لأن نسيجها الوطني؛ السياسي والاجتماعي أصابه التآكل والتمزق، وغدا في حقيقته أوهى من بيت العنكبوت.
إن على مصر ـ التي لا نشك في قدرتها وحكمتها – وبعد مراجعة ملاحظات الجميع على رؤيتها لإنهاء حالة الانقسام العمل على فرض موقفٍ على الجميع، وحشد التأييد العربي والاسلامي له من خلال الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي.
إن الشارع العربي والإسلامي لا يختلف على أن بقاء الوضع على ما هو عليه هو كارثي بكل معني الكلمة، وسيجرأ إسرائيل على ابتلاع الضفة الغربية، وفرض المزيد من الحقائق الاستيطانية على الأرض، والتي ستجعل من الصعب التراجع عنها أو التفاوض حولها.
من هنا سيجد الشارع الفلسطيني الذي أرهقته فذلكات الفصائل وحسابات الأحزاب، وغياب الحجة البالغة لـ"أولي الأمر" هنا أو هناك، إلى التفكير بالتمرد أو البحث عن خيارات سياسية أخرى.. لذلك، فإن الوقت ليس في صالح أحد، وعاجلاً أم آجلاً سندرك جميعاً أن المستفيد الوحيد من هذا الانقسام هو إسرائيل، التي تسابق الزمن لفرض هويتها الدينية وحقائقها الإستيطانية واستراتيجيتها السياسية، حيث يتوجب على الفلسطينيين والعرب الإقرار بها لأن موازين القوى ـ اليوم ـ ليست في صالحهم، ونحن نعيش في عالم لا يحترم إلا الأقوياء، وأن الذي يمسك بيده السيف يمتلك حق ترسيم الجغرافيا ونصب حدود التاريخ.
الجولة السابعة ومتطلبات النجاح
لاشك أن هناك قيادة جديدة لحركة فتح، وداخل هذه القيادة من نختلف معه ولا نقبل به، وفيها من هو وحدوي لا نملك إلا الاتفاق والعمل بجانبه.. كما أن هناك من لا يرى حماس إلا خصماً لدوداً ولا يريد أن يمد يده أو أن يبدأ بالسلام، وهناك من هو أكثر من جاهز لفتح صفحة جديدة ومعالجة أخطاء الماضي. كما أن حماس لديها مخاوفها وتحفظاتها، فهي التي تجد نفسها داخل طوق الحصار والاستهداف، ولا تستطيع أن تركن لمن تآمروا عليها وأذهبوا عافيتها، وسعوا لإفشال مشروعها الوطني والتشكيك بتوجهاتها الإسلامية..
لذلك، فإن غياب الثقة بين الطرفين هو جوهر الخلاف، وعلى جهة الوساطة المصرية أن تعزز من أسس تحقيق الشراكة السياسية ومرتكزاتها، والتأكيد على مفهوم التداول السلمي للسلطة كآلية للتدافع والتغيير. إن الكل يمشي على خيط مشدود، ويتخوف أن تزل قدم بعد ثبوتها، وجهة الوساطة المصرية عليها حماية الصراط وضمان وصول لجميع إلى بر الأمان.
لاشك أن الطريق لتحقيق المصالحة الفلسطينية وجبر الخواطر المكسورة في قطاع غزة والضفة الغربية يستلزم خطوات لبناء الثقة واستنهاض حالة الوعي، التي لا يبقى معها إلا شعور الجميع بأنه طليق لا تطارده هواجس الخوف من الأخر باعتبار أنه "أخٌ كريم وابن أخٍ كريم".
إن ورقة الرؤية المصرية لإنهاء حالة الانقسام الفلسطيني هي طوق النجاة لشعبنا وقضيتنا، وهي تلوح كضوء في نهاية النفق.. إنها أرضية مناسبة لاستعادة وحدتنا وجمع كلمتنا، وتفويت الفرصة على كل من يحاول أن يلعب على حبال التناقض والخلاف داخل صفوفنا.
إن ما تبقى من نقاط عالقة على أجندة الحوار والمصالحة يمكن أن تحسمه القاهرة، وتوفر الضمانات لاستمرار حالة الانسجام داخل الساحة الفلسطينية. علينا أن ندرك جميعاً بأن الوقت ليس في صالح أحد، وحتى المجتمع الدولي الذي يحاول مساعدتنا أحياناً سيجد من الصعب أمامه التعاطي معنا في ظل ما هو قائم من تشظي وانقسام.
القاهرة تنتظرنا جميعاً، وعلينا أن نعقد العزم ألا نعود إلا متحدين، نحمي أقصانا ونرد كيد المعتدين.
وكيل وزارة الشؤون الخارجية
| |
|